خصومهم سواء كانوا منهم أو من غيرهم «أن يقولوا سمعنا وأطعنا» أي خصوصية هذا القول المحكى عنهم لا قولا آخر أصلا وأما قراءة النصب فمعناها إنما كان قول المؤمنين أي إنما كان قولا لهم عند الدعوة خصوصية قولهم المحكى عنهم ففيه من جعل النسبتين وأبعدهما وقوعا وحضورا في الأذهان وأحقهما بالبيان مفروغا عنها عنوانا للموضوع وإبراز ما هو بخلافها في معرض القصد الأصلي ما لا يخفى وقرئ ليحكم على بناء الفعل للمفعول مسندا إلى مصدره مجاويا لقوله تعالى إذا إذا دعوا أي ليفعل الحكم كما في قوله تعالى لقد تقطع بينكم أي وقع التقطع بينكم «وأولئك» إشارة إلى المؤمنين باعتبار صدور القول المذكور عنهم وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي أولئك المنعوتون 52 بما ذكر من النعت الجميل «هم المفلحون» أي هم الفائزون بكل مطلب والناجون من كل محذور «ومن يطع الله ورسوله» استئناف جئ به لتقرير مضمون ما قبله من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم في الانتظام في سلكهم أي ومن يطعهما كائنا من كان فيما أمرا به من الأحكام الشرعية اللازمة والمتعدية وقيل في الفرائض والسنن والأول هو الأنسب بالمقام «ويخش الله ويتقه» بإسكان القاف المبنى على تشبيهه بكنف وقرئ بكسر القاف والهاء وبإسكان الهاء أي ويخش الله على ما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل «فأولئك» الموصوفون بما ذكر من الطاعة والخشية والاتقاء «هم الفائزون» بالنعيم المقيم 53 لا من عداهم «وأقسموا بالله» حكاية لبعض آخر من أكاذيبهم مؤكد بالأيمان الفاجرة وقوله تعالى «جهد أيمانهم» نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله الذي هو في حيز النصب على أنه حال من فاعل أقسموا أي أقسموا به تعالى يجهدون أيمانهم جهدا ومعنى جهد اليمين بلوغ غايتها بطريق الاستعارة من قولهم جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها أي جاهدين بالغين أقصى مراتب اليمين في الشدة والوكادة وقيل هو مصدر مؤكد لأقسموا أي أقسموا إقسام اجتهاد في اليمين قال مقاتل من حلف بالله فقد اجتهد في اليمين «لئن أمرتهم» أي بالخروج إلى الغزو لا عن ديارهم وأموالهم كما قيل لأنه حكاية لما كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا وإن أقمت أقمنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا وقوله تعالى «ليخرجن» جواب لأقسموا بطريق حكاية فعلهم لا حكاية قولهم وحيث كانت مقالتهم هذه كاذبة ويمينهم فاجرة أمر صلى الله عليه وسلم بردها حيث قيل «قل» أي ردا عليهم وزجرا لهم عن التفوه بها وإظهارا لعدم القبول لكونهم كاذبين فيها «لا تقسموا» أي على ما ينبئ عنه كلامكم من الطاعة وقوله تعالى «طاعة معروفة» خبر مبتدأ محذوف والجملة تعليل للنهي أي لا تقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة نفاقية واقعة باللسان فقط من غير مواطأة من القلب وإنما عبر عنها بمعروفة للإيذان بأن كونها كذلك
(١٨٨)