يعملون لا بغير أمره أصلا فالقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة إلى غير أمره لا إلى أمر 28 غير «يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم» استئناف وقع تعليلا لما قبله وتمهيدا لما بعده فإن لعلمهم بإحاطته تعالى بما قدموا وأخروا من الأقوال والأعمال لا يزالون يراقبون أحوالهم فلا يقدرون على قول أو عمل بغير أمره تعالى «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» أن يشفع له مهابة منه تعالى «وهم» مع ذلك «من خشيته» عز وجل «مشفقون» مر تعدون وأصل الخشية الخوف مع التعظيم ولذلك خص بها العلماء والإشفاق الخوف مع الاعتناء فعند تعديته بمن يكون معنى الخوف فيه أظهر وعند تعديته 29 بعلى ينعكس الأمر «ومن يقل منهم» أي من الملائكة الكلام فيهم وفي كونهم بمعزل مما قالوا في حقهم «إني إله من دونه» متجاوزا إياه تعالى «فذلك» الذي فرض قوله فرض محال «نجزيه جهنم» كسائر المجرمين ولا يغنى عنهم ما ذكر من صفاتهم السنية وأفعالهم المرضية وفيه من الدلالة على قوة ملكوته تعالى وعزة جبروته واستحالة كون الملائكة بحيث يتوهم في حقهم ما توهمه أولئك الكفرة مالا يخفى «كذلك نجزي الظالمين» مصدر تشبيهي مؤكد لمضمون ما قبله اي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها ويتعدون أطوارهم والقصر المستفاد من التقديم معتبر بالنسبة إلى النقصان دون الزيادة أي لا جزاء أنقص منه «أولم ير الذين كفروا» تجهيل لهم بتقصيرهم في التدبر في الآيات التكوينية الدالة على استقاله تعالى بالألوهية وكن جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر وقرئ بغير واو الرؤية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا «أن السماوات والأرض كانتا» أي جماعتا السماوات والأرضين كما في قوله تعالى إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا «رتقا» الرتق الضم والالتحام والمعنى إما على حذف المضاف أو هو بمعنى المفعول أي كانتا ذواتي رتق أو مر توقتين وقرئ رتقا شيئا رتقا أي مرتوقا «ففتقناهما» قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عكرمة والحسن البصري وقتادة وسعيد بن جبير كانتا شيئا واحدا ملتزمين ففصل الله تعالى بينهما ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض وقال كعب خلق الله تعالى السماوات والأرض ملتصقين ثم خلق ريحا فتوسطتها ففتقتها وعن الحسن خلق الله تعالى الأرض في موضع بيت المقدس كيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم اصعد الدخان وخلق منه السماوات وامسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما وقال مجاهد والسدي كانت السماوات مرتتقة طبعة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت مرتفعة طبعة واحدة ففتقها فجعلها سبع أرضين وقال ابن عباس في
(٦٤)