«وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم» أي ما تخفيه وقرئ بفتح التاء من كننت الشيء إذا سترته «وما يعلنون» من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما حكى عنهم من استعجال العذاب وفيه إيذان بأن لهم قبائح غير ما يظهرونه وأنه تعالى يجازيهم على الكل وتقديم السر على العلن قد مر سره في سورة البقرة عند قوله تعالى أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون «وما من غائبة في السماء والأرض» أي من خافية فيهما وهما من الصفات الغالبة والتاء للمبالغة كما في الرواية أو اسمان لما يغيب ويخفى والتاء للنقل إلى الاسمية «إلا في كتاب مبين» أي بين أو مبين لما فيه لمن يطالعه وهو اللوح المحفوظ وقيل هو القضاء العدل بطريق الاستعارة «إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون» من جملته ما اختلفوا في شأن المسيح وتحزبوا فيه أحزابا وركبوا متن العتو والغلو في الإفراط والتفريط والتشبيه والتنزيه ووقع بينهم التناكد في أشياء حتى بلغ المشاقة إلى حيث لعن بعضهم بعضا وقد نزل القرآن الكريم ببيان كنه الأمر لو كانوا في حيز الإنصاف «وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين» على الإطلاق فيدخل فيهم من آمن من بني إسرائيل دخولا أوليا «إن ربك يقضي بينهم» أي بين بني إسرائيل «بحكمه» بما يحكم به وهو الحق أو بحكمته ويؤيده أنه قرئ بحكمه «وهو العزيز» فلا يرد حكمه وقضاؤه «العليم» بجميع الأشياء التي من جملتها ما يقضي به والفاء في قوله تعالى «فتوكل على الله» لترتيب الأمر على ما ذكر من شؤونه عز وجل فإنها موجبة للتوكل عليه وداعية إلى الأمر به أي فتوكل على الله الذي هذا شأنه فإنه موجب على كل أحد أن يتوكل عليه ويفوض جميع أموره إليه وقوله تعالى «إنك على الحق المبين» تعليل صريح للتوكل عليه تعالى بكونه عليه الصلاة والسلام على الحق البين أو الفاصل بينه وبين الباطل أو بين المحق والمبطل فإن كونه عليه الصلاة والسلام كذلك مما يوجب الوثوق بحفظه تعالى ونصرته وتأييده لا محالة وقوله تعالى «إنك
(٢٩٩)