«والآخرة» من عذاب النار وغير ذلك مما يعلمه الله عز وجل «والله يعلم» جميع الأمور التي من جملتها ما في الضمائر من المحبة المذكورة «وأنتم تعلمون» ما يعلمه تعالى إنما تعلمون ما ظهر لكم من الأقوال والأفعال المحسوسة فابتلوا أموركم على ما تعملونه وعاقبوا في الدنيا على ما تشاهدونه من الأحوال الظاهرة والله سبحانه هو المتولي للسرائر فيعاقب في الآخرة على ما تكنه الصدور هذا إذا جعل العذاب الأليم في الدنيا عبارة عن حد القذف أو متنظما له كما أطبق عليه الجمهور أما إذا بقي على إطلاقه يراد بالمحبة نفسها من غير أن يقارنها التصدي للإشاعة وهو الأنسب بسياق النظم الكريم فيكون ترتيب العذاب عليها تنبيها على أن عذاب من يباشر الإشاعة ويتولاها أشد وأعظم ويكون الاعتراض التذييلي أعنى قوله تعالى والله يعلم وأنتم لا تعلمون تقريرا لثبوت العذاب الأليم لهم وتعليلا له «ولولا فضل الله عليكم ورحمته» تكرير للمنة بترك المعالجة بالعقاب للتنبيه على كمال عظم الجزيرة «وأن الله رؤوف رحيم» عطف على فضل الله وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار باستتباع صفة الألوهية للرأفة والرحمة وتغيير سبكه وتصديره بحرف التحقيق لما أن بيان اتصافه تعالى في ذاته بالرأفة التي هي كمال الرحمة والرحيمية التي هي المبالغة فيها على الدوام والاستمرار لا بيان حدوث تعلق رأفته ورحمته بهم كما أن المراد بالمعطوف عليه وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان» أي لا تسلكوا مسالكه كل ما تأتون وما تذرون من الأفاعيل التي من جملتها إشاعة الفاحشة وحبها وقرئ خطوات بسكون الطاء وبفتحها أيضا «ومن يتبع خطوات الشيطان» وضع الظاهران موضع ضمير يهما حيث لم يقل ومن يتبعها أو ومن يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة في التنفير والتحذير «فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر» علة للجزاء وضعت موضعه كأنه قيل فقد ارتكب الفحشاء والمنكر لأن دأبه المستمر أن يأمر بهما فمن اتبع خطواته فقد امتثل بأمره قطعا والفحشاء ما أفرط قبحه كالفاحشة والمنكر ما ينكره الشرع ضمير إنه للشيطان وقيل للشأن على ما رأى من لا يوجب عود الضمير من الجملة الجزائية إلى اسم الشرط أو على أن الأصل يأمره وقيل هو عائد إلى من أي فإن ذلك المتبع يأمر الناس بهما لأن شان الشيطان هو الإضلال فمن اتبعه يترقى من رتبة الضلال والفساد إلى رتبة الإضلال والإفساد «ولولا فضل الله عليكم ورحمته» بما من جملته هاتيك البيانات والتوفيق للتوبة الماحصة للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها «ما زكا» أي ما طهر من دنسها وقرىء ما زكى بالتشديد أي ما طهر الله تعالى ومن في قوله تعالى «منكم» بيانية وفي قوله
(١٦٤)