طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة قد أمر بذكرها كما مر في قصة البقرة «إلا من شاء الله» أي أن لا يفزع قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام وقيل الحور والخزنة وحملة العرش «وكل» أي كل واحد من المبعوثين عند النفخة «آتوه» حضروا الموقف بين يدي رب العزة جل جلالة للسؤال والجواب والمناقشة والحساب وقرئ أتاه باعتبار لفظ الكل كما أن القراءة الأولى باعتبار معناه وقرئ آتوه أي حاضروه «داخرين» أي صاغرين وقرئ دخرين وقوله تعالى «وترى الجبال» عطف على ينفخ داخل في حكم التذكير وقوله عز وجل «تحسبها جامدة» أي ثابتة في أماكنها إما بدل منه أو حال من ضمير ترى أو من مفعوله وقوله تعالى «وهي تمر مر السحاب» حال من ضمير الجبال في تحسبها أو في جامدة أي تراها رأي العين ساكنة والحال أنها تمر مر السحاب التي تسيرها الرياح سيرا حثيثا وذلك أن الأجرام العظام إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تتبين حركتها وعليه قول من قال [بأر عن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج] وقد أدمج في هذا التشبيه حال الجبال بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما في قوله تعالى وتكون الجبال كالعهن المنفوش وهذا أيضا مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق يبدل الله عز وجل الأرض غير الأرض ويغير هيآتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي وقوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل عليه السلام وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد النفخة الثانية وقد قالوا في تفسير قوله تعالى ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم أن صيغة الماضي في المعطوف مع كون المعطوف عليه مستقبلا للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك هذا وقد قيل إن المراد هي النفخة الأولى والفزع هو الذي يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الآية فيختص أثرها بما كان حيا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم وجوز أن يراد بالإتيان داخرين رجوعهم إلى أمره تعالى وانقيادهم له ولا ريب في أن ذلك مما ينبغي أن ينزه ساحة التنزيل عن أمثاله وأبعد من هذا ما قبل إن المراد بهذه النفخة نفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق وهي التي أريدت بقوله تعالى ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير الله تعالى عندها الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا وترج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموثقة في البحر أو كالقنديل المعلق ترججه الأرواح
(٣٠٤)