في قوله [ألا يا أسلمى يا دار مي على البلى] ونظائره وعلى هذا يحتمل أن يكون استئنافا من جهة الله عز وجل أو من سليمان عليه السلام ويوقف على لا يهتدون ويكون أمرا بالسجود وعلى الوجوه المتقدمة ذما على تركه وأياما كان فالسجود واجب وقرئ هلا وهلا بقلب الهمزتين هاء وقرئ هلا تسجدون بمعنى ألا تسجدون على الخطاب (الذي يخرج الخبء في السموا والأرض) أي يظهر ما هو مخبوء ومخفى فيهما كائنا ما كان وتخصيص هذا الوصف بالذكر بصدد بيان تفرده تعالى باستحقاق السجود له من بين سائر أوصافه الموجبة لذلك لما أنه أرسخ في معرفته والإحاطة بأحكامه بمشاهدة آثاره التي من جملتها ما أودعه الله تعالى في نفسه من القدرة على معرفة الماء تحت الأرض وأشار بعطف قوله «ويعلم ما تخفون وما تعلنون») عل يخرج إلى أنه تعالى يخرج ما في العالم الإنساني من الخفايا كما يخرج ما في العالم الكبير من الخبايا لما أن المراد يظهر ما تخفونه من الأحوال فيجازيكم بها وذكر ما تعلنون لتوسيع دائرة العلم أو للتنبيه على تساويهما بالنسبة إلى العلم الإلهي وقرئ ما يخفون وما يعلنون على صيغة الغيبة بلا التفات وإخراج الخبء يعم إشراق الكواكب وإظهارها من آفاقها بعد استنارها وراءها وإنزال الأمطار وإنبات النبات بل الانشاء الذي هو إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والإبداع الذي هو إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجود وغير ذلك من غيوبه عز وجل وقرئ الخب بتخفيف الهمزة بالحذف وقرئ الخبا بتخفيفها بالقلب وقرئ ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) الذي هو أول الاجرام وأعظمها وقرئ العظيم بالرفع على أنه صفة الرب واعلم أن ما حكى من الهدهد من قوله الذي يخرج الخبء إلى هنا ليس داخلا تحت قوله أحطت بما لم تحط به وإنما هو من لعلوم والمعارف التي اقتبسها من سليمان عليه السلام أورده بيانا لما هو عليه وإظهارا لتصلبه في الدين وكل ذلك لتوجيه قلبه عليه الصلاة والسلام نحو قبول كلامه وصرف عنان عزيمته عليه السلام إلى غزوها وتسخير ولايتها «قال» استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية كلام الهدهد كأنه قيل فماذا فعل سليمان عليه السلام عند ذلك فقيل قال «سننظر» أي فيما ذكرته من النظر بمعنى التأمل والسين للتأكيد أي سنتعرف بالتجربة البتة (أصدقت أم كنت من الكاذبين) كان مقتضى الظاهر أم كذبت وإيثار ما عليه النظم الكريم للايذان بأن كذبه في هذه المادة يستلزمه انتظامه في سلك الموسومين بالكذب الراسخين فيه فإن مساق هذه الأقاويل الملفقة على ترتيب أنيق يستميل قلوب السامعين نحو قبولها من غير أن يكون لها مصداق أصلا لا سيما بين يدي نبي عظيم الشأن لا يكاد يصدر إلا عمن له قدم راسخ في الكذب والإفك وقوله تعالى «اذهب بكتابي هذا فألقه»
(٢٨٢)