أن أرزاق عباده لما كان تحصلها بعمل الأنعام جعل علفها مما يفضل عن حاجاتهم ولا يليق بكونه طعاما لهم وقوله تعالى «كلوا وارعوا أنعامكم» حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول أي أخرجنا منها أصناف النبات قائلين كلوا وارعوا أنعامكم أي معديها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة آذنين في ذلك «إن في ذلك» إشارة إلى ما ذكر من شؤونه تعالى وأفعاله وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الكمال والتنكير في قوله تعالى «لآيات» للتفخيم كما وكيفا أي لآيات كثيرة جليلة واضحة الدلالة على شؤون الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله وعلى صحة نبوة موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام «لأولي النهى» جمع نهيه سمى بها العقل لنهيه عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح كما سمى بالعقل والحجر لعقله وحجره عن ذلك أي لذوي العقول الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما يدعيه الطاغية ويقبله منه فئته الباغية وتخصيص كونها آيات بهم مع أنها آيات للعالمين باعتبار أنهم المنتفعون بها «منها خلقناكم» أي في ضمن أبيكم آدم عليه الصلاة والسلام منها فإن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه الصلاة والسلام إذ لم تكن قطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه الصلاة والسلام بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه الصلاة والسلام منها خلقا للكل مها وقيل المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط وقيل إن الملك الموكل بالرحم يأخذ من تربة المكان الذي يدفن المولود فيبددها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة «وفيها نعيدكم» بالإمانة وتفريق الأجزاء وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها «ومنها نخرجكم تارة أخرى» بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح إليها وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية والتارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان ثم أطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتجددة كما مر في المرة «ولقد أريناه» حكاية إجمالية لما جرى بين موسى عليه الصلاة والسلام وبين فرعون إثر حكاية ما ذكره عليه الصلاة والسلام بجلائل نعمائه الداعية له إلى قبول الحق والانقياد له وتصديرها بالقسم لإبراز كما العناية بمضمونها وإسناد الإراءة إلى نون العظمة نظرا إلى الحقيقة لا إلى موسى نظر إلى الظاهر لتهويل أمر الآيات وتفخيم شأنها وإظهار كمال شاعة للعين وتماديه في المكابرة والعناد أي وبالله لقد بصرنا فرعون أو عرفناه «آياتنا» حين قال لموسى عليه الصلاة والسلام إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين وصيغة الجمع مع كونهما اثنتين باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون
(٢٢)