عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب إلى صوبه «لا عوج له» لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه «وخشعت الأصوات للرحمن» اي خضعت لهيبته «فلا تسمع إلا همسا» اي صوتا خفيا ومنه الهميس لصوت إخفاف الإبل وقد فسر الهمس بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر «يومئذ» اي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة «لا تنفع الشفاعة» من الشعفاء أحدا «إلا من أذن له الرحمن» أن يشفع له «ورضي له قولا» إي ورضي لأجله قول الشافع في شأنه أو رضي قوله لأجله وفي شأنه وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين فالاستثناء كما ترى من أعم المفاعيل وأما كونه استثناء من الشفاعة على معنى لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن أن يشفع لغيره كما جوزوه فلا سبيل إليه لما أن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن لا يملكها ولا تصدر هي عنه أصلا كما في قوله تعالى لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا وقوله تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى فالإخبار عنها بمجرد عدم نفعها للمشفوع له ربما يوهم إمكان صدورها عمن لم يؤذن له مع إخلاله بمقتضى مقام تهويل اليوم وأما قوله تعالى ولا يقبل منها شفاعة فمعناه عدم الإذن في الشفاعة لا عدم قبولها بعد وقوعها «يعلم ما بين أيديهم» اي ما تقدمهم من الأحوال وقيل من أمر الدنيا «وما خلفهم» وما بعدهم مما يستقبلونه وقيل من امر الآخرة «ولا يحيطون به علما» اي لا تحيط علومهم بمعلوماته تعالى وقيل بذاته اي من حيث اتصافه بصفات الكمال التي من جملتها العلم الشامل وقيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعها فإنهم لا يعلمون جميع ذلك ولا تفصيل ما علموا منه «وعنت الوجوه للحي القيوم» أي ذلت وخضعت خضوع العتاة أي الأسارى في يد الملك القهار ولعلها وجوه المجرمين كقوله تعالى سيئت وجوه الذين كفورا ويؤيده قوله تعالى «وقد خاب من حمل ظلما» قال ابن عباس رضي الله عنهما خسر من اشرك بالله ولم يتب وهو استئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم أو اعتراض كأنه قيل خابوا وخسروا وقيل حال من الوجوه ومن عبارة عنها مغنية عن ضميرها وقيل الوجوه على العموم فالمعنى حينئذ وقد خاب من حمل منهم ظلما فقوله تعالى «ومن يعمل من الصالحات» الخ قسم لقوله تعالى وقد خاب من حمل ظلما لا لقوله تعالى وعنت الوجوه الخ كما أنه كذلك على الوجه الأول أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات على أحد الوجهين المذكورين في تفسير قوله تعالى من أنباء ما قد سبق «وهو مؤمن» فإن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات «فلا يخاف ظلما» اي منع ثواب مستحق بموجب الوعد «ولا
(٤٣)