«وجعل لها رواسي» أي جبالا ثوابت تمنعها أن تميد بأهلها ويتكون فيها المعادن وينبع في حضيضها الينابيع ويتعلق بها من المصالح مالا يحصى «وجعل بين البحرين» أي العذب والمالح أو خليجي فارس والروم «حاجزا» برزخا مانعا من الممازجة وقد مر في سورة الفرقان والجعل في المواقع الثلاثة الأخيرة إبداعي وتأخير مفعوله عن الظرف لما مر مرارا من التشويق «أإله مع الله» في الوجود أو في إبداع هذه البدائع على ما مر «بل أكثرهم لا يعلمون» أي شيئا من الأشياء ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره «أم من يجيب المضطر إذا دعاه» وهو الذي أحوجته شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجأ والضراعة إلى الله عز وجل اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من ا لضرورة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو المجهود وعن السدى رحمه الله تعالى من لا حول له ولا قوة وقيل المذنب إذا استغفر واللام للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر «ويكشف السوء» وهو الذي يعترى الإنسان مما يسوؤه «ويجعلكم خلفاء الأرض» أي خلفاء فيها بان ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم من الأمم وقيل المراد بالخلافة الملك والتسلط «أإله مع الله» الذي يفيض على كافة الأنام هذه النعم الجسام «قليلا ما تذكرون» أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تتذكرون وما مزيدة لتأكيد معنى القلة التي أريد بها العدم أو ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى وفي تذييل الكلام بنفي التذكر عنهم إيذان بأن مضمونه مركوز في ذهن كل ذكي وغبي وأنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره وقرئ تتذكرون على الأصل وتذكرون ويذكرون بالتاء والياء مع الإدغام «أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر» أي في ظلمات الليالي فيهما على أن الإضافة للملابسة أو في مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتي لا منار بها «ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته» وهي المطر ولئن صح أن السبب الأكثري في تكون الريح معاودة الأدخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها للهواء فلا ريب في أن الأسباب الفاعلية والقابلية لذلك كله من خلق الله عز وجل والفاعل للسبب فاعل للمسبب قطعا «أإله مع الله» نفى لان يكون معه إله آخر وقوله تعالى «تعالى الله عما يشركون» تقرير وتحقيق له وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار للإشعار بعلة الحكم أي تعالى وتنزه بذاته المنفردة بالألوهية المستتبعة لجميع صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال المقتضية لكون كل المخلوقات مقهورا تحت قدرته عما يشركون أي عن وجود ما يشركونه به تعالى لا مطلقا فإن وجوده مما لا مرد له بل عن
(٢٩٥)