بل الأمر بالعكس في قياس العقول وقرئ تتذكرون على الأصل «قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم» أعيد الرب تنويها لشأن العرش ورفعا لمحله عن أن يكون تبعا للسموات وجودا وذكرا ولقد روعي في الأمر بالسؤال الترقي من الأدنى إلى الأعلى «سيقولون لله» باللام نظرا إلى معنى السؤال فإن قولك من ربه ولمن هو في معنى واحد وقرئ هو وما بعده بغير لام نظرا إلى لفظ السؤال «قل» إفحاما لهم وتوبيخا «أفلا تتقون» أي أتعلمون ذلك ولا تقون أنفسكم عقابه بعدم العمل بموجب العلم حيث تكفرون به وتنكرون البعث وتثبتون له شريكا في الربوبية «قل من بيده ملكوت كل شيء» مما ذكر وما لم يذكر أي ملكه التام القاهر وقيل خزائنه «وهو يجير» أي يغيث غيره إذا شاء «ولا يجار عليه» أي ولا يغيث أحد عليه أي لا يمنع أحد منه بالنصر عليه «إن كنتم تعلمون» أي شيئا ما أو ذلك فأجيبوني على ما سبق «سيقولون لله» أي لله ملكوت كل شيء وهو الذي يجير ولا يجار عليه «قل فأنى تسحرون» أي فمن أين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به إلى ما أنتم عليه من الغنى فإن من لا يكون مسحورا مختل العقل لا يكون كذلك «بل أتيناهم بالحق» الذي لا محيد عنه من التوحيد والوعد بالبعث «وإنهم لكاذبون» فيما قالوا من الشرك وإنكار البعث «ما اتخذ الله من ولد» كما يقوله النصارى والقائلون إن الملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا «وما كان معه من إله» يشاركه في الألوهية كما يقوله عبدة الأوثان وغيرهم «إذا لذهب كل إله بما خلق» جواب لمحاجتهم وجزاء لشرط قد حذف لدلالة ما قبله عليه أي لو كان معه آلهة كما يزعمون لذهب كل واحد منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين ووقع بينهم التغالب والتحارب كما هو الجاري فيما بين الملوك «ولعلا بعضهم على بعض» فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء وهو باطل لا يقول به عاقل قط مع قيام البرهان على استباد جميع الممكنات إلى واجب الوجود واحد بالذات «سبحان الله عما يصفون» أي يصفونه
(١٤٨)