تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٦ - الصفحة ١٤٤
«أم يقولون به جنة» انتقال إلى توبيخ آخر والهمزة لإنكار الواقع كالأولى أي بل أيقولون به جنة أي جنون مع أنه أرجح الناس عقلا وأثقبهم ذهنا وأتقنهم رأيا وأوفرهم رزانة ولقد روعي في هذه التوبيخات الأربعة التي اثنان منها متعلقان بالقرآن والباقيان به صلى الله عليه وسلم الترقي من الأدنى إلى الأعلى حيث وبخوا أو لا بعدم التدبر وذلك يتحقق مع كون القول غير متعرض له بوجه من الوجوه ثم وبخوا بشيء لو اتصف به القول لكان سببا لعدم تصديقهم به ثم وبخوا بما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من عدم معرفتهم به صلى الله عليه وسلم وذلك يتحقق بعدم المعرفة بخير ولا شر ثم بما لو كان فيه صلى الله عليه وسلم ذلك لقدح في رسالته صلى الله عليه وسلم ما سبق أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بل جاءهم صلى الله عليه ولم بالحق أي الصدق الثابت الذي لا محيد عنه أصلا ولا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه «وأكثرهم للحق» من حيث هو حق أي حق كان لا لهذا الحق فقط كما ينبيء عنه الإظهار في موقع الإضمار «كارهون» لما في جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ولذلك كرهوا هذا الحق الأبلج وزاغوا عن الطريق الأنهج وتخصيص أكثرهم بهذا الوصف لا يقتضي إلا عدم كراهة الباقين لكل حق من الحقوق وذلك لا ينافي كراهتهم لهذا الحق المبين فنأمل وقيل تقييد الحكم بالأكثر لأن منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم تفكره لا لكراهته الحق وأنت خبير بأن التعرض لعدم كراهة بعضهم للحق مع اتفاق الكل على الكفر به مما لا يساعده المقام أصلا «ولو اتبع الحق أهواءهم» استئناف مسوق لبيان أن أهواءهم الزائغة التي ما كرهوا الحق إلا لعدم موافقته إياها مقتضية للطامة أي لو كان ما كرهوه من الحق الذي من جملته ما جاء به صلى الله عليه وسلم موافقا لأهوائهم الباطلة «لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن» وخرجت عن الصلاح والانتظام بالكلية لأن مناط النظام ليس إلا ذلك وفيه من تنويه شأن الحق والتنبيه على سمو مكانه ما لا يخفى وأما ما قيل لو أتبع الحق الذي جاء به صلى الله عليه وسلم أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله تعالى بالقيامة ولأهلك العالم ولم يؤخر ففيه أنه لا يلائم فرض مجيئه صلى الله عليه وسلم به وكذا ما قيل لو كان في الواقع إلهان لا يناسب المقام وأما ما قيل لو أتبع الحق أهواءهم لخرج عن الإلهية فمالا احتمال له أصلا «بل أتيناهم بذكرهم» انتقال من تشنيعهم بكراهة الحق الذي به يقوم العالم إلى تشنيعهم بالإعراض عما جبل عليه كل نفس من الرغبة فيما فيه خيرها والمراد بالذكر القرآن الذي هو فخرهم وشرفهم حسبما ينطق به قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك أي بل أتيناهم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجب عليهم أن يقبلوا عليه أكمل إقبال «فهم» بما فعلوه من النكوص «عن ذكرهم» أي فخرهم وشرفهم خاصة «معرضون» لا عن غير ذلك مما لا يوجب الإقبال عليه والاعتناء به وفي وضع للظاهر موضع الضمير مزيد تشنيع لهم وتقريع والفاء لترتيب ما بعدها من إعراضهم عن ذكرهم
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (سورة طه) قوله تعالى: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. 2
2 قوله تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم الآية. 22
3 قوله تعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى. 33
4 قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم الآية. 43
5 (سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر) قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم الآية. 53
6 قوله تعالى: ومن يقل منهم أني إله الآية. 64
7 قوله تعالى: وقد آتينا إبراهيم رشده الآية. 72
8 قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه الآية. 81
9 (سورة الحج) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية. 91
10 قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية. 101
11 قوله تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا الآية. 108
12 قوله تعالى: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية. 116
13 (سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر) قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون. 133
14 قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون. 134
15 قوله تعالى: ولو رحمناهم الآية. 145
16 (سورة النور) قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها الآية. 155
17 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا الآية. 164
18 قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض الآية. 175
19 قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم الآية. 188
20 (سورة الفرقان) قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان الآية 200
21 [الجزء التاسع عشر] قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا الآية 210
22 قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين الآية. 225
23 (سورة الشعراء) قوله تعالى: طسم تلك آيات الكتاب المبين. 233
24 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى الآية 244
25 قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك الآية 254
26 أوفوا الكيل ولا تكونوا الآية 262
27 (سورة النمل) قوله تعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين. 271
28 قوله تعالى: قال سننظر أصدقت الآية. 282
29 [الجزء العشرون] قوله تعالى: فما كان جواب قومه الآية 292
30 قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا الآية 300