الدنية من المال والجاه كدأب قريش حيث قالوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة ما ذكر من النعوت العلية وإحراز الملكات السنية جبلة واكتسابا «فكذبوهما» أي فتموا على تكذيبهما وأصروا واستكبروا استكبارا «فكانوا من المهلكين» بالغرق في بحر قلزم «ولقد آتينا» أي بعد إهلاكهم وإنجاء بني إسرائيل من ملكتهم «موسى الكتاب» أي التوراة وحيث كان إيتاؤه عليه الصلاة والسلام إياها لإرشاد قومه إلى الحق كما هو شأن الكتب الإلهية جعلوا كأنهم أوتوها فقيل «لعلهم يهتدون» أي إلى طريق الحق بالعمل بما فيها من الشرائع والأحكام وقيل أريد آتينا قوم موسى فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى على خوف من فرعون وملئهم أي من آل فرعون وملئهم ولا سبيل إلى عود الضمير إلى فرعون وقومه لظهور أن التوراة إنما نزلت بعد إغراقهم لبني إسرائيل وأما الاستشهاد على ذلك بقوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى فمما لا سبيل إليه ضرورة أن ليس المراد بالقرون الأولى ما يتناول قوم فرعون بل من قبلهم من الأمم المهلكة خاصة كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط كما سيأتي في سورة القصص «وجعلنا ابن مريم وأمه آية» وأية آية دالة على عظيم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشرف الآية أمر واحد نسب إليهما أو جعلنا ابن مريم آية بأن تكلم في المهد فظهرت منه معجزات جمة وأمه آية بأنها ولدته من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها والتعبير عنهما بما ذكر من العنوانين وهما كونه عليه الصلاة والسلام ابنها وكونها أمه عليه الصلاة والسلام للإيذان من أول الأمر بحيثية كونهما آية فإن نسبته عليه الصلاة والسلام إليها مع أن النسب إلى الآباء دالة على أن لا أب له أي جعلنا ابن مريم وحدها من غير أن يكون له أب وأمه التي ولدته خاصة من غير مشاركة الأب آية وتقديمه عليه الصلاة والسلام لأصالته فيما ذكر من كونه آية كما أن تقديم أمه في قوله تعالى وجعلناها وابنها آية للعالمين لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ «وآويناهما إلى ربوة» أي أرض مرتفعة قيل هي أيليا أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة وأنها كبد الأرض وأقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا على ما يروى عن كعب وقيل دمشق وغوطتها وقيل فلسطين والرملة وقيل مصر فإن قراها على الربا وقرئ بكسر الراء وضمها ورباوة بالكسر والضم «ذات قرار» مستقر من أرض منبسطة سهلة يستقر عليها ساكنوها وقيل ذات ثمار وزروع لأجلها يستقر فيها ساكنوها «ومعين» أي وماء معين ظاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الإبعاد في المشي أو من الماعون
(١٣٧)