الذي ذكر من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي من طعنهم في القرآن حسبما ينبئ عنه قوله تعالى مستكبرين به سامرا تهجرون وقيل متخطية لما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة المذكورة وفيه أنه لا مزية في وصف أعمالهم الخبيثة بالتخطي للأعمال الحسنة للمؤمنين وقيل متخطية عماهم عليه من الشرك ولا يخفى بعده لعدم جريان ذكره «هم لها عاملون» مستمرون عليها معتادون فعلها ضارون بها لا يكادون يبرحونها «حتى إذا أخذنا مترفيهم» أي متنعميهم وهم الذين أمدهم الله تعالى بما ذكر من المال والبنين وحتى مع كونها غاية لأعمالهم المذكورة مبدأ لما بعدها من مضمون الشرطية أي لا يزالون يعملون أعمالهم إلى حيث إذا أخذنا رؤساءهم «بالعذاب» قيل هو القتل والأسر يوم بدر وقيل هو الجوع الذي أصابهم حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحرقة والأولاد والحق أنه العذاب الأخروى إذ هو الذي يفاجئون عنده الجؤار فيجابون بالرد والإقناط عن النصر وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار حسبما ينبئ عنه قوله تعالى ولقد أخذناهم بالعذات فما استكانوا لربهم وما يتضرعون فإن المراد بهذا العذاب ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر حتما وأما عذاب الجوع فإن أبا سفيان وإن تضرع فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لم يرد عليه بالإقناط حيث روى أنه صلى الله عليه وسلم قد دعا بكشفه فكشف عنهم ذلك «إذا هم يجأرون» أي فاجئوا الصراخ بالاستغاثة من الله عز وجل كقوله تعالى فإليه تجأرون وهو جواب الشرط وتخصيص مترفيهم بما ذكر من الأخذ بالعذاب ومفاجأة الجؤار مع عمومه لغيرهم أيضا لغاية ظهور انعكاس حالهم وانتكاس أمرهم وكون ذلك أشق عليهم ولأنهم مع كونهم متمنعين محميين بحماية غيرهم من المنعة والحشم حين لقوا ما لقوا من الحالة الفظيعة فأن يلقاها من عداهم من الحماة والخدم أولى وأقدم «لا تجأروا اليوم» على إضمار القول مسوقا لردهم وتبكيتهم وإقناطهم مما علقوا به أطماعهم الفارغة من الإغاثة والإعانة من جهته تعالى وتخصيص اليوم بالذكر لتهويله والإيذان بتفويتهم وقت الجؤار وقد جوز كونه جواب الشرط وأنت خبير بأن المقصود الأصلي في الجملة الشرطية هو الجواب فيؤدي ذلك إلى أن يكون مفاجأتهم إلى الجؤار غير مقصود أصلي وقوله تعالى «إنكم منا لا تنصرون» تعليل للنهي عن الجؤار ببيان عدم إفادته ونفعه أي لا يلحقكم من جهتنا نصرة تنجيكم مما دهمكم وقيل لا تغاثون ولا تمنعون منا ولا يساعده سباق النظم الكريم لأن جؤارهم ليس إلى غيره تعالى حتى يرد عليهم بعدم منصور يتهم من قبله ولا سياقه فإن قوله تعالى «قد كانت آياتي تتلى عليكم» الخ صريح في أنه تعليل لما ذكرنا من عدم لحوق النصر من جهته
(١٤٢)