والأول هو الأولى «ولا نكلف نفسا إلا وسعها» جملة مستأنفة سيقت للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الخيرات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة أي عادتنا جارية على أن لا نكلف نفسا من ا لنفوس إلا ما في وسعها على أن المراد استمرار النفي بمعونة المقام لا نفي الاستمرار كما مر مرارا أو للترخيص فيما هو قاصر عن درجة أعمال أولئك الصالحين ببيان انه تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين فلا عليهم بعد أن يبذلوا طاقتهم ويستفرغوا وسعهم قال مقاتل من لم يستطع القيام فليصل قاعدا ومن لم يستطع القعود فليوم إيماء وقوله تعالى «ولدينا كتاب» الخ تتمة لما قبله ببيان أحوال ما كلفوه من الأعمال وأحكامها المترتبة عليها من الحساب والثواب والعقاب والمراد بالكتاب صحائف الأعمال التي يقرءونها عند الحساب حسبما يعرب عنه قوله تعالى «ينطق بالحق» كقوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل أحد على ما هي عليه أو أعمال السابقين والمقتصدين جميعا لا أنه أثبت فيه أعمال الأولين وأهمل أعمال الآخرين ففيه قطع معذرتهم أيضا وقوله بالحق متعلق بينطق أي يظهر الحق المطابق للواقع على ما هو عليه ذاتا ووصفا ويبينه للناظر كما يبينه النطق ويظهره للسامع فيظهر هنالك جلائل أعمالهم ودقائقها ويرتب عليها أجزيتها إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقوله تعالى «وهم لا يظلمون» بيان لفضله تعالى وعد له في الجزاء إثر بيان لطفه في التكليف وكتب الأعمال أي لا يظلمون في الجزاء بنقص ثواب أو بزيادة عذاب بل يجزون بقدر أعمالهم التي كلفوها ونطقت بها صحائفها بالحق وقد جوز أن يكون تقريرا لما قبله من التكليف وكتب الأعمال أي لا يظلمون بتكليف ما ليس في وسعهم ولا بعدم كتب بعض أعمالهم التي من جملتها أعمال المقتصدين بناء على قصورها عن درجة أعمال السابقين بل يكتب كل منها على مقاديرها وطبقاتها والتعبير عما ذكر من الأمور بالظلم مع أن شيئا منها ليس بظلم على ما تقرر من أن الأعمال الصالحة لا توجب أصل الثواب فضلا عن إيجاب مرتبة معينة منه حتى تعد الإنابة بما دونها نقصا وكذلك الأعمال السيئة لا توجب درجة معينة من العذاب حتى يعد التعذيب بما فوقها زيادة وكذا تكليف ما في الوسع وكتب الأعمال ليسا مما يجب عليه سبحانه حتى يعد تركهما ظلما لكمال تنزيه ساحة السبحان عنها بتصويرها بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى وتسميتها باسمه وقوله تعالى «بل قلوبهم في غمرة من هذا» إضراب عما قبله والضمير للكفرة لا للكل كما قبله أي بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها من هذا الذي بين في القرآن من أن لديه تعالى كتابا ينطق بالحلق ويظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد فيجزون بها كما ينبيء عنه ما سيأتي من قوله تعالى قد كانت آياتي تتلى عليكم الخ وقيل مما عليه أولئك الموصوفون بالأعمال الصالحة «ولهم أعمال» سيئة كثيرة «من دون ذلك»
(١٤١)