لما ألقى الشيطان في أمنيته فمما لا مساغ له لأن ذلك ليس من هنانهم التي تستمر إلى الأمد المذكور بل إنما هي مريتهم في شأن القرآن ولا يجدي حمل من على السببية دون الابتدائية لما أن مريتهم المستمرة كما أنها ليست مبتدأة من ذلك ليست ناشئة منه ضرورة أنها مستمرة منهم من لدن نزول القرآن الكريم «حتى تأتيهم الساعة» أي القيامة نفسها كما يؤذن به قوله تعالى «بغتة» أي فجاءة فإنها الموصوفة بالإتيان كذلك لا أشراطها وقيل الموت «أو يأتيهم عذاب يوم عقيم» أي يوم لا يوم بعده كأن كل يوم يلد ما بعده من الأيام فما لا يوم بعده يكون عقيما والمراد به الساعة أيضا كأنه قيل أو يأتيهم عذابها فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل ولا سبيل إلى حمل الساعة على أشراطها لما عرفته وأما ما قيل من أن المراد يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر سمى به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما أي ثكلى فوصف اليوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ومنه الريح العقيم لما لم ينشئ مطرا ولم يلقح شجرا أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة عليهم السلام فيه فمما لا يساعده سياق النظم الكريم أصلا كيف لا وإن تخصيص الملك والتصرف الكلي فيه بالله عز وجل ثم بيان ما يقع فيه من حكمه تعالى بين الفريقين بالثواب والعذاب الأخرويين يقضي بأن المراد به يوم القيامة قضاء بينا لا ريب فيه «الملك» أي السلطان القاهر والاستيلاء التام والتصرف على الإطلاق «يومئذ لله» وحده بلا شريك أصلا بحيث لا يكون فيه لأحد تصرف من التصرفات في أمر من الأمور لا حقيقة ولا مجازا ولا صورة ولا معنى كما في الدنيا فإن للبعض فيها تصرفا صوريا في الجملة وليس التنوين نائبا عما تدل عليه الغاية من زوال مريتهم كما قيل ولا عما يستلزمه ذلك من إيمانهم كما قيل لما أن القيد المعتبر مع اليوم حيث وسط بين طرفي الجملة يجب أن يكون مدارا لحكمها أعنى كون الملك لله عز وجل وما يتفرع عليه من الإثابة والتعذيب ولا ريب في أن إيمانهم أو زوال مريتهم ليس مما له تعلق ما بما ذكر فضلا عن المدارية له فلا سبيل إلى اعتبار شيء منهما مع اليوم قطعا وإنما الذي يدور عليه ما ذكر إتيان الساعة التي هي منتهى تصرفات الخلق ومبدأ ظهور أحكام الملك الحق جل جلاله فإذن هو نائب عن نفس الجملة الواقعة غاية لمريتهم فالمعنى الملك يوم إذ تأتيهم الساعة أو عذابها لله تعالى وقوله تعالى «يحكم بينهم» جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ من الإخبار بكون الملك يومئذ لله كأنه قيل فماذا يصنع بهم حينئذ فقيل يحكم بين فريقي المؤمنين به والممارين فيه بالمجازاة وقوله تعالى «فالذين آمنوا» الخ تفسير للحكم المذكور وتفصيل له أي فالذين آمنوا بالقرآن الكريم ولم يماروا فيه «وعملوا الصالحات» امتثالا بما أمروا في تضاعيفه «في جنات النعيم» أي مستقرون فيها «والذين كفروا وكذبوا بآياتنا» أي أصروا على ذلك واستمروا «فأولئك» إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الكفر والتكذيب وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في
(١١٥)