تمنى بمعنى قرأ كقوله [تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن يتكلم بذلك رافعا صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وقد رد بأنه أيضا يخل بالوثوق بالقرآن ولا يندفع بقوله تعالى فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته لأنه أيضا يحتمله وفي الآية دلالة على جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام وتطرق الوسوسة إليهم «ليجعل ما يلقي الشيطان» علة لما ينبئ عنه ما ذكر من إلقاء الشيطان من تمكينه تعالى إياه من ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة كما يعرب عنه سياق النظم الكريم لما أن تمكينه تعالى إياه من الإلقاء في حق سائر الأنبياء عليهم السلام لا يمكن تعليله بما سيأتي وفيه دلالة على أن ما يلقيه أمر ظاهر يعرفه المحق والمبطل «فتنة للذين في قلوبهم مرض» أي شك ونفاق كما في قوله تعالى في قلوبهم مرض الآية «والقاسية قلوبهم» أي المشركين «وإن الظالمين» أي الفريقين المذكورين فوضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم مع ما وصفوا به من المرض والقساوة «لفي شقاق بعيد» أي عداوة شديدة ومخالفة تامة ووصف الشقاق بالبعد مع أن الموصوف به حقيقة هو معروضه للمبالغة والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله «وليعلم الذين أوتوا العلم أنه» أي القرآن «الحق من ربك» أي هو الحق النازل من عنده تعالى وقيل ليعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق المتضمن للحكمة البالغة والغاية الجميلة لأنه مما جرت به عادته في جنس الإنس من لدن آدم عليه السلام فحينئذ لا حاجة إلى تخصيص التمكين فيما سبق بالإلفاء في حقه عليه السلام لكن يأباه قوله تعالى «فيؤمنوا به» أي بالقرآن أي يثبتوا على الإيمان به أو يزدادوا إيمانا برد ما يلقى الشيطان فتخبت له قلوبهم بالانقياد والخشية والإذعان لما فيه من الأوامر والنواهي ورجع الضميرين لا سيما الثاني إلى تمكين الشيطان من الإلقاء مما لا وجه له «وإن الله لهاد الذين آمنوا» أي في الأمور الدينية خصوصا في المداحض والمشكلات التي من جملتها ما ذكر «إلى صراط مستقيم» هو النظر الصحيح الموصل إلى الحق الصريح والجملة اعتراض مقر لما قبله «ولا يزال الذين كفروا في مرية» أي في شك وجدال «منه» أي من القرآن وقيل من الرسول صلى الله عليه وسلم والأول هو الأظهر بشهادة ما سبق من قوله تعالى ثم يحكم الله آياته وقوله تعالى أنه الحق من ربك فيؤمنوا به وما لحق من قوله تعالى وكذبوا بآياتنا وأما تجويز كون الضمير
(١١٤)