«وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح» تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم متضمنة للوعد الكريم بإهلاك من يعاديه من الكفرة وتعيين لكيفية نصره تعالى له الموعود بقوله تعالى ولينصرن الله من ينصره وبيان لرجوع عاقبة لأمور إليه تعالى وصيغة المضارع في الشرط مع تحقق التكذيب لما أن المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم عما يترتب على التكذيب من الحزن المتوقع أي وإن تحزن على تكذيبهم إياك فاعلم أنك لست بأوحدى في ذلك فق كذبت قبل تكذيب قومك إياك قوم نوح «وعاد وثمود» «وقوم إبراهيم وقوم لوط» «وأصحاب مدين» أي رسلهم ممن ذكر ومن لم يذكر وإنما حذف لكمال ظهور المراد أو لأن المراد نفس الفعل أي فعلت التكذيب قوم نوح إلى آخره «وكذب موسى» غير النظم الكريم بذكر المفعول وبناء الفعل له لا لأن قومه بنو إسرائيل وهم لم يكذبوه وإنما كذبه القبط لما أن ذلك إنما يقتضي عدم ذكرهم بعنوان كونهم قوم موسى لا بعنوان آخر على أن بني إسرائيل أيضا قد كذبوه مرة بعد أخرى حسبما ينطق به قوله تعالى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ونحو ذلك من الآيات الكريمة بل للإيذان بأن تكذيبهم له كان في غاية الشناعة لكون آياته في كمال الوضوح وقوله تعالى «فأمليت للكافرين» أي أمهلتهم حتى انصرمت حبال آجالهم والفاء لترتيب إمهال كل فريق من فرق المكذبين على تكذيب ذلك الفريق لا لترتيب إمهال الكل على تكذيب الكل ووضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى المكذبين لذمهم بالكفر والتصريح بمكذبي موسى عليه السلام حيث لم يذكروا فيما قبل صريحا «ثم أخذتهم» أي أخذت كل فريق من فرق المكذبين بعد انقضاء مدة إملائه وإمهاله «فكيف كان نكير» أي إنكاري عليهم بالإهلاك أي فكان ذلك في غاية ما يكون من الهول والفظاعة وقوله تعالى «فكأين من قرية» منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى «أهلكناها» أي فأهلكنا كثيرا من القرى بإهلاك أهلها والجملة بدل من قوله تعالى فكيف كان نكير أو مرفوع على الابتداء وأهلكنا خبره أي فكثير من القرى أهلكناها وقرئ أهلكتها على وفق قوله تعالى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير «وهي ظالمة» جملة حالية من مفعول أهلكنا وقوله تعالى «فهي خاوية» عطف على أهلكناها لأعلى وهي ظالمة لأنها حال والإهلاك ليس في حال خواتها فعلى الأول لا محل له من الإعراب كالمعطوف عليه وعلى الثاني في محل الرفع لعطفه على الخبر والخواء إما بمعنى السقوط من خوى النجم إذا سقط فالمعنى فهي ساقطة حيطانها
(١١٠)