أصلب من الحجر ولا أشد من الحديد ولا أهيب من النار وهي مسخرة لكم وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم لتعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر «والفلك» عطف على ما أو على اسم أن وقرئ بالرفع على الابتداء «تجري في البحر بأمره» حال من الفلك على الأول وخبر على الأخيرين «ويمسك السماء أن تقع على الأرض» أي من أن تقع أو كراهة أن تقع بأن خلقها على هيئة متداعية إلى الاستمساك «إلا بإذنه» أي بمشيئته وذلك يوم القيامة وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية في الجسمية لسائر الأجسام القابلة للميل الهابط فتقبله كقبول غيرها «إن الله بالناس لرؤوف رحيم» حيث هيأ لهم أسباب معاشهم وفتح عليهم أبواب المنافع وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية «وهو الذي أحياكم» بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا حسبما فصل في مطلع السورة الكريمة «ثم يميتكم» عند مجئ آجالكم «ثم يحييكم» عند البعث «إن الإنسان لكفور» أي جحود للنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده «لكل أمة» كلام مستأنف جئ به لزجر معاصريه صلى الله عليه وسلم من أهل الأديان السماوية عن منازعته صلى الله عليه وسلم ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية «جعلنا» أي وضعنا وعينا «منسكا» أي شريعة خاصة لا لأمة أخرى منهم على معنى عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا وقوله تعالى «هم ناسكوه» صفة لمنسكا مؤكدة للقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل والضمير لكل أمة باعتبار خصومها أي تلك الأمة المعينة ناسكوه والعاملون به لا أمة أخرى فالأمة التي كانت من مبعث موسى عليه السلام إلى مبعث عيسى عليه السلام منسكهم التوراة هم ناسكوها والعاملون بها لا غيرهم والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منسكهم الإنجيل هم ناسكوه والعاملون به لا غيرهم وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم الفرقان ليس إلا كما مر في تفسير قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا والفاء في قوله تعالى «فلا ينازعنك في الأمر» لترتيب الهي أو موجبه على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتهم هذه الأمة شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها موجب لطاعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم الأولين من التوراة والإنجيل فإنهما شريعتان لمن مضى من الأمم قبل انتساخهما وهؤلاء أمة مستقلة منسكهم القرآن المجيد فحسب والنهي إما على حقيقته أو كلية عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى نزاعهم للنبي على زعمهم المذكور وأما جعله عبارة عن نهيه صلى الله عليه وسلم
(١١٨)