إثر بيان حال بعض أفراده السعداء واللام جواب قسم والواو ابتدائية وقيل عاطفة على ما قبلها والمراد بالإنسان الجنس أي وبالله لقد خلقنا جنس الإنسان في ضمن خلق آدم عليه السلام خلقا إجماليا حسبما تحققته في سورة الحج وغيرها وأما كونه مخلوقا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار وأطوار فبعيد «من سلالة» السلالة ما سل من الشيء واستخرج منه فإن فعالة اسم لما يحصل من الفعل فتارة تكون مقصودا منه كالخلاصة وأخرى غير مقصود منه كالقلامة والكناسة والسلالة من قبيل الأول فإنها مقصودة بالسل ومن ابتدائية متعلقة بالخلق ومن في قوله تعالى «من طين» بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة أي خلقناه من سلالة كائنة من طين ويجوز أن تتعلق بسلالة على أنها بمعنى مسلولة فهي ابتدائية كالأولى وقيل المراد بالإنسان آدم عليه السلام فإنه الذي خلق من صفوة سلت من الطين وقد وقفت على التحقيق «ثم جعلناه» أي الجنس باعتبار افراده المغايرة لآدم عليه السلام أو جعلنا نسله على حذف المضاف إن أريد بالإنسان آدم عليه السلام «نطفة» بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة والتذكير بتأويل الجوهر أو المسلول أو الماء «في قرار» أي مستقر وهو الرحم عبر عنها بالقرار الذي هو مصدر مبالغة وقوله تعالى «مكين» وصف لها بصفة ما استقر فيها مثل طريق سائر أو بمكانتها في نفسها فإنها مكنت بحيث هي وأحرزت «ثم خلقنا النطفة علقة» أي دما جامدا بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء «فخلقنا العلقة مضغة» أي قطعة لحم لا استبانة ولا تمايز فيها «فخلقنا المضغة» أي غالبها ومعظمها أو كلها «عظاما» بأن صلبناها وجعلناها عمودا للبدن على هيئات وأوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة «فكسونا العظام» المعهودة «لحما» من بقية المضغة أو مما أنبتنا عليها بقدرتنا مما يصل إليها أي كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به وهيئة مناسبة له واختلاف العواطف للتنبيه على تفاوت الاستحالات وجمع العظام لاختلافها وقرئ على التوحيد فيهما اكتفاء بالجنس وبتوحيد الأول فقط وبتوحيد الثاني فحسب «ثم أنشأناه خلقا آخر» هي صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخه فيه أو المجموع وثم لكمال التفاوت بين الخلقين واحتج به أبو حنيفة رحمه الله على أن من غصب بيضة فأفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر «فتبارك الله» فتعالى شأنه في علمه الشامل وقدرته الباهرة والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة والإشعار بأن ما ذكر من الأفاعيل العجيبة من أحكام الألوهية وللإيذان بأن حق كل من سمع ما فصل من آثار قدرته عز وعلا أو لاحظه أن يسارع إلى التكلم به إجلالا وإعظاما لشؤونه تعالى «أحسن الخالقين» بدل من الجلالة وقيل نعت له بناء على أن الإضافة ليست لفظية وقيل خبر مبتدأ محذوف أي هو أحسن الخالقين خلقا أي المقدرين تقديرا حذف المميز
(١٢٦)