خطئهم في الاستعجال المذكور ببيان كمال سعة ساحة حلمه تعالى ووقاره وإظهار غاية ضيق عطلهم المستتبع لكون المدة القصيرة عنده تعالى مددا طوالا عندهم حسبما ينطق به قوله تعالى إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ولذلك يرون مجيئه بعيدا ويتخذونه ذريعة إلى إنكاره ويجترئون على الاستعجال به ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها وقوعا وإخبارا ما عنده تعالى من المقدار وقراءة يعدون على صيغة الغيبة أي يعده المستعجلون أوفق لهذا المعنى وقد جعل الخطاب في القراءة المشهورة لهم أيضا بطريق الالتفاف لكن الظاهر أنه للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين وقيل المراد بوعده تعالى ما جعل لهلاك كل أمة من موعد معين وأجل مسمى كما في قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب فتكون الجملة الأولى حالية كانت أو اعتراضية مبينة لبطلان الاستعجال به ببيان استحالة مجيئه قبل وقته الموعود والجملة الأخيرة بيانا لبطلانه ببيان ابتناء على استطالة ما هو قصير عنده تعالى على الوجه الذي مر بيانه فلا يكون في النظم الكريم حينئذ تعرض لإنكارهم الذي دسوه تحت الاستعجال بل يكون الجواب مبنيا على ظاهر مقالهم ويكتفي في رد إنكارهم ببيان عاقبة من قبلهم من أمثالهم هذا وحمل المستعجل به على عذاب الآخرة وجعل اليوم عبارة عن يوم العذاب المستطال لشدته أو عن أيام الآخرة الطويلة حقيقة أو المستطالة لشدة عذابها مما لا يساعده سباق النظم الجليل ولا سياقه فإن كلا منهما ناطق بأن المراد هو العذاب الدنيوي وأن الزمان الممتد هو الذي مر عليهم قبل حلوله بطريق الإملاء والإمهال لا الزمان المقارن له ألا يرى إلى قوله تعالى «وكأين من قرية» الخ فإنه كما سلف من قوله تعالى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم صريح في أن المراد هو الأخذ العاجل الشديد بعد الإملاء المديد أي وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ورجع الضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل «أمليت لها» كما أمليت لهؤلاء حتى أنكروا مجئ ما وعدوا من العذاب واستعجلوا به استهزاء برسلهم كما فعل هؤلاء «وهي ظالمة» جملة حالية مفيدة لكمال حلمه تعالى ومشعرة بطريق التعريض بظلم المستعجلين أي أمليت لها والحال أنها ظالمة مستوجبة لتعجيل العقوبة كدأب هؤلاء «ثم أخذتها» بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال وقوله تعالى «وإلي المصير» اعتراض تذييلي مقرر لما قبله ومصرح بما أفاده ذلك بطريق التعريض من أن مآل أمر المستعجلين أيضا ما ذكر من الأخذ الوبيل أي إلى حكمي مرجع الكل جميعا لا إلى أحد غيري لا استقلالا ولا شركة فأفعل بهم ما أفعل مما يليق بأعمالهم «قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين» أنذركم إنذارا بينا بما أوحى من أنباء الأمم المهلكة من غير أن يكون لي دخل في إتيان ما توعدونه من العذاب حتى تستعجلوني به والاقتصار على الإنذار مع بيان حال الفريقين بعده لما أشير إليه من أن مساق الحديث للمشركين وعقابهم وإنما ذكر المؤمنون وثوابهم زيادة في غيظهم
(١١٢)