بإضافة صورها وكيفياتها على المواد الممتزجة من الماء والتراب أو أودع في الماء قوة فاعلة وفي الأرض قوة قابلة يتولد من اجتماعهما أنواع الثمار وهو قادر على إيجاد الأشياء بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب كذلك لما أن له تعالى في إنشائها مدرجا من طور إلى طور صنائع وحكما يجدد فيها الأولى الأبصار عبرا وسكونا إلى عظيم قدرته ليس ذلك في إبداعها دفعة وقوله لكم صفة لقوله رزقا إن أريد به المرزوق ومفعول به إن أريد به المصدر كأنه قيل رزقا إياكم (وسخر لكم الفلك) بأن أقدركم على صنعتها واستعمالها بما ألهمكم كيفية ذلك (لتجري في البحر) جريا تابعا لإرادتكم (بأمره) بمشيئة التي نيط بها كل شيء وتخصيصه بالذكر للتنصيص على أن ذلك ليس بمزاولة الأعمال واستعمال الآلات كما يتراءى من ظاهر الحال (وسخر لكم الأنهار) إن أريد بها المياه العظيمة الجارية في الأنهار العظام كما يومىء إليه ذكرها عند البحر فتسخيرها جعلها معدة لانتفاع الناس حيث يتخذون منها جداول يسقون بها زروعهم وجنانهم وما أشبه ذلك وإن أريد بها نفس الأنهار فتسخيرها تيسيرها لهم (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالة وخلافة وإصلاحهما لما نيط بهما صلاحه من المكونات (وسخر لكم الليل والنهار) يتعاقبان خلفه لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وإنضاجها ذكر سبحانه وتعالى أنواع النعم الفائضة عليهم وأبرز كل واحدة منها في جملة مستقلة تنويها لشأنها وتنبيها على رفعة مكانها وتنصيصا على كون كل منها نعمة جليلة مستوجبة للشكر وفي التعبير عن التصريف المتعلق بما ذكر من الفلك والأنهار والشمس والقمر والليل والنهار بالتسخير من الإشعار بما فيها من صعوبة المأخذ وعزة المنال والدلالة على عظم السلطان وشدة المحال مالا يخفى وتأخير تسخير الشمس والقمر عن تسخير ما تقدمه من الأمور المعدودة مع ما بينه وبين خلق السماوات من المناسبة الظاهرة لاستتباع ذكرها لذكر الأرض المستدعى لذكر إنزال الماء منها إليها الموجب لذكر إخراج الرزق الذي من جملته ما يحصل بواسطة الفلك والأنهار أو للتفادى عن توهم كون الكل أعنى خلق السماوات والأرض وتسخير الشمس والقمر نعمة واحدة كما مر في قصة البقرة (وآتاكم من كا ما سألتموه) أي أعطاكم بعض جميع ما سألتموه حسبما تقتضيه مشيئته التابعة للحكمة والمصلحة كقوله سبحانه من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد أو آتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه ونيط به انتظام أحوالكم على الوجه المقدر فكأنكم سألتموه أو كل ما طلبتموه بلسان الاستعداد أو كل ما سألتموه على أن من للبيان وكلمة كل للتكثير كقولك فلان يعلم كل شيء وأتاه كل الناس وعليه قوله عز وجل فتحنا عليهم أبواب كل شيء وقيل الأصل وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه فحذف الثاني لدلالة ما أبقى على ما القى وقرئ بتنوين كل على أن ما نافية ومحل ما سألتموه النصب على الحالية أي آتاكم من كل غير سائليه (وإن تعدوا نعمة الله)
(٤٨)