الله ما يشاء) من تثبيت بعض وإضلال آخرين حسبما توجبه مشيئته التابعة للحكم البالغة المقتضية لذلك وفي إظهار الاسم الجليل في الموضعين من الفخامة وتربية المهابة مالا يخفى مع ما فيه من الإيذان بالتفاوت في مبدأ التثبيت والإضلال فإن مبدأ صدور كل منهما عنه سبحانه وتعالى من صفاته العلا غير ما هو مبدأ صدور الأخر (ألم تر) تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد مما صنع الكفرة من الأباطيل التي لا تكاد تصدر عمن له أدنى إدراك أي ألم تنظر (إلى الذين بذلوا نعمة الله) أي شكر نعمته تعالى بأن وضعوا موضعه (كفرا) عظيما وغمطا لها أو بدلوا نفس النعمة كفرا فإنهم لما كفروها سلبوها فصاروا مستبدلين بها كفرا كأهل مكة حيث خلقهم الله سبحانه وأسكنهم حرمه الآمن الذي يجيىء إليه ثمرات كل شيء وجعلهم قوام بيته وشرفهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وقتلوا وأسروا يوم بدر فصاروا أذلاء مسلوبي النعمة باقين بالكفر بدلها وعن عمر وعلي رضي الله عنهما هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين كأنهما يتأولان ما سيتلى من قوله عز وجل قل تمتعوا الآية (وأحلوا) أي أنزلوا (قومهم) بإرشادهم إياهم إلى طريقة الشرك والضلال وعدم التعرض لحلولهم لدلالة الإحلال عليه إذ هو فرع الحلول كقوله تعالى يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار (دار البوار) دار الهلاك الذي لإهلاك وراءه (جهنم) عطف بيان لها وفي الإبهام ثم البيان مالا يخفى من التهويل (يصلونها) حال منها أو من قومهم أي داخلين فيها مقاسين لحرها أو استئناف لبيان كيفية الحلول أو مفسر لفعل يقدر ناصبا لجهنم فالمراد بالإحلال المذكور حينئذ تعريضهم للهلاك بالقتل والأسر لكن قوله تعالى قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار أنسب بالتفسير الأول (وبئس القرار) على حذف المخصوص بالذم أي بئس المقر جهنم أو بئس القرار قرارهم فيها وفيه أن حلولهم وصلبهم على وجه الدوام والاستمرار (وجعلوا) عطف على أحلوا وما عطف عليه داخل معهما في حيز الصلة وحكم التعجيب أي جعلوا في اعتقادهم وحكمهم «الله» الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء هو في الواحد القهار (أندادا) أشبها في العبادة (ليضلوا) قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا (عن سبيله) القويم الذي هو التوحيد ويوقعوهم في ورطة الكفر والضلال ولعل تغيير الترتيب مع أن مقتضى ظاهر النظم أن يذكر كفرانهم نعمة الله تعالى ثم كفرهم بذاته تعالى باتخاذ الأنداد ثم إضلالهم لقومهم المؤدي إلى إحلالهم دار البوار لتثنية التعجيب وتكريره والإيذان بأن كل واحد من وضع الكفر موضع الشكر وإحلال القوم دار البوار واتخاذ الأنداد للإضلال أمر يقضي منه العجب ولو سيق النظم على نسق الوجود لربما فهم التعجيب من مجموع الهنات الثلاث كما في قصة البقرة وقرئ ليضلوا بالفتح
(٤٥)