ونظائره والفاء للدلالة على ترتب النهي على ما عدد من النعم الفائضة عليهم من جهته سبحانه وكون ما يشركون به تعالى بمعزل من أن يملك لهم من أقطار السماوات والأرض شيئا من رزق ما فضلا عما فصل من نعمة الخلق والتفضيل في الرزق ونعمة الأزواج والأولاد «أن الله يعلم» تعليل للنهي المذكور ووعيد على المنهي عنه أي أنه تعالى يعلم كنه ما تأتون وما تذرون وأنه في غاية العظم والقبح «وأنتم لا تعلمون» ذلك وإلا لما فعلتموه أو أنه تعالى يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم وقفوا مواقف الامتثال لما ورد عليكم من الأمر والنهي ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك فتقعون فيما تقعون فيه من مهاوي الردى والضلال ثم علمهم كيفية ضرب الأمثال في هذا الباب فقال «ضرب الله مثلا» أي ذكر وأورد شيئا يستدل به على تباين الحال بين جنابه عز وجل وبين ما أشركوا به وعلى تباعدهما بحيث ينادي بفساد ما ارتكبوه نداء جليا «عبدا مملوكا لا يقدر على شيء» بدل من مثلا وتفسير له والمثل في الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصف العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر لاشتراكهما في كونهما عبدان لله سبحانه وقد أدمج فيه أن الكل عبيد له تعالى وبعدم القدرة لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف في الجملة وفي إبهام المثل أولا ثم بيانه بما ذكر مالا يخفى من الفخامة والجزالة «ومن رزقناه» من موصوفة معطوفة على عبدا أي رزقناه بطريق الملك والالتفات إلى التكلم للإشعار باختلاف حالي ضرب المثل والرزق «منا» من جنابنا الكبير المتعالى «رزقا حسنا» حلالا طيبا أو مستحسنا عند الناس مرضيا «فهو ينفق منه» تفضلا وإحسانا والفاء لترتيب الإنفاق على الرزق كأنه قيل ومن رزقناه منا رزقا حسنا فأنفق وإيثار ما عليه النظم الكريم من الجملة الاسمية الفعلية الخير للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجددي «سرا وجهرا» أي حال السر والجهر أو انفاق سر وإنفاق جهر والمراد بيان عموم إنفاقه للأوقات وشمول إنعامه لمن يجتنب عن قبوله جهرا والإشارة إلى أصناف نعم الله تعالى الباطنة والظاهرة وتقديم السر على الجهر للإيذان بفضله عليه والعدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال وحرا مالكا للأموال مع كونه أدل على تباين الحال بينه وبين قسيمه لتوخي تحقيق الحق بأن الأحرار أيضا تحت ربقة عبوديته سبحانه وتعالى وأن مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل في ذلك مع محاولة المبالغة في الدلالة على ما قصد بالمثل من تباين الحال بين الممثلين فإن العبد المملوك حيث لم يكن مثل العبد المالك فما ظنك بالجماد ومالك الملك خلاق العالمين «هل يستوون» جمع الضمير للإيذان بأن المراد بما ذكر من اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معنيان منهما أي هل يستوي العبيد والأحرار المصوفون بما ذكر من الصفات مع أن الفريقين سيان في البشرية والمخلوقية لله سبحانه
(١٢٩)