بتوفيقهم لها ولا يناسبه الفاء في قوله تعالى فاجعل الخ وفي دعائه عليه السلام من مراعاة حسن الأدب والمحافظة على قوانين الضراعة وعرض الحاجة واستنزال الرحمة واستجلاب الرأفة مالا يخفى فإنه عليه السلام بذكر كون الوادي غير ذي زرع بين كمال افتقارهم إلى المسؤول وبذكر كون إسكانهم عند البيت المحرم أشار إلى أن جوار الكريم يستوجب إفاضة النعيم وبعرض كون ذلك الإسكان مع كمال إعواز مرافق المعاش لمحض إقامة الصلاة وأداء حقوق البيت مهد جميع مبادى إجابة السؤال ولذلك قرنت دعوته عليه السلام بحسن القبول (ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن) من الحاجات وغيرها والمراد بما نخفى ما يقابل ما نعلن سواء تعلق به الإخفاء أولا أي تعلم ما نظهره ومالا نظهره فإن علمه تعالى متعلق بما لا يخطر بباله مما فيه من الأحوال الخفية فضلا عن إخفائه وتقديم ما نخفى على ما نعلن لتحقيق المساواة بينهما في تعلق العلم بهما على أبلغ وجه فكأن تعلقه بما يخفى أقدم منه بما يعلن أو لأن مرتبة السرو الخفاء متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شئ يعلن إلا وهو قبل ذلك خفى فتعلق علمه سبحانه بحالته الأولى أقدم من تعلقه بحالته الثانية وقصده عليه السلام أن إظهار هذه الحاجات وما هو من مباديها وتتماتها ليس لكونها غير معلومة لك بل إنما هو لإظهار العبودية والتخشع لعظمتك والتدلل لعزتك وعرض الافتقار إلى ما عندك والاستعجال لنيل أياديك وتكرير النداء للمبالغة في الضراعة والابتهال وضمير الجماعة لأن المراد ليس مجرد علمه تعالى بسره وعلنه بل بجميع خفايا الملك والملكوت وقد حققه بقوله على وجه الاعتراض (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) لما أنه العالم بالذات فما من أمر يدخل تحت الوجود كائنا ما كان في زمان من الأزمان إلا ووجوده في ذاته علم بالنسبة إليه سبحانه وإنما قال وما يخفى على الله الخ دون أن يقول ويعلم ما في السماوات والأرض تحقيقا لما عناه بقوله تعلم ما نخفى من أن علمه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبة خفاء بالنسبة إلى علمه تعالى كما يكون ذلك بالنسبة إلى علوم المخلوقات وكلمة في متعلقة بمحذوف وقع صفة لشيء أي من شيء كائن فيهما أعم من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما أو على وجه الجزئية منهما أو بيخفى وتقديم الأرض على السماء مع توسيط لا بينهما باعتبار القرب والبعد منا المستدعيين للتفاوت بالنسبة إلى علو منا والالتفات من الخطاب إلى اسم الذات المستجمعة للصفات لتربية المهابة والإشعار بعلة الحكم على نهج قوله تعالى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير والإيذان بعمومه لأنه ليس بشأن يختص به أو بمن يتعلق به بل شامل لجميع الأشياء فالمناسب ذكره تعالى بعنوان مصحح لمبدأ الكل وقيل هو من كلام الله عز وجل وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السلام كقوله سبحانه وكذلك يفعلون ومن للاستغراق على الوجهين (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) أي مع كبرى ويأسى عن الولد قيد الهبة به استعظاما للنعمة وإظهارا لشكرها (إسماعيل وإسحق) روى أنه ولد له إسماعيل وهو
(٥٣)