والمخالة ولا انتفاع بذلك وإنما الانتفاع والارتفاق فيه بالإنفاق لوجه الله سبحانه والظاهر أن مت متعلقة بأنفقوا وتذكير إتيان ذلك اليوم لتأكيد مضمونه كما في سورة البقرة من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير معاوضة وتبرعا وانقطاع آثار البيع والخلال الواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيل الله عز وجل أو من حيث إن إدخار المال وترك إنفاقه إنما يقع غالبا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت وتخصيص التأكيد بذلك لميل الطباع إلى المال وكونها مجبولة على حبه والضنة به ولا يبعد أن يكون تأكيدا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضا من حيث إن تركها كثيرا ما يكون بالاشتغال بالبياعات والمخالات كما في قوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقرئ بالفتح فيهما على إرادة النفي العام ودلالة الرفع على ذلك باعتبار خطابي هو وقوعه في جواب هل فيه بيع أو خلال (الله) مبتدأ خبره (الذي خلق السماوات) وما فيها من الأجرام العلوية (والأرض) وما فيها من أنواع المخلوقات لما ذكر أحوال الكافرين لنعم الله تعالى وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرا لنعمه شرع في تفصيل ما يستوجب على كافة الأنام المثابرة على الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام حثا للمؤمنين عليها وتقريعا للكفرة المخلين بها الواضعين موضعها الكفر والمعاصي وفي جعل المبتدأ الاسم الجليل والخبر الاسم الموصول بتلك الأفاعيل العظيمة من خلق هذه الأجرام العظام وإنزال الأمطار وإخراج الثمرات وما يتلوها من الآثار العجيبة مالا يخفى من تربية المهابة والدلالة على قوة السلطان (وأنزل من السماء) أي السحاب فإن كل ما علاك سماء أو من الفلك فإن المطر منه يبتدئ إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه ظواهر النصوص أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى الجو فينعقد سحابا ماطرا وأيا ما كان فمن ابتدائية (ماء) أي نوعا منه هو المطر وتقديم المجرور على المنصوب إما باعتبار كونه مبدأ لنزوله أو لتشريفه كما في قولك أعطاه السلطان من خزانته مالا أو لما مر مرارا من التشويق إلى المؤخر (فأخرج به) بذلك الماء (من الثمرات) الفائتة للحصر إما لأن صيغ الجموع يتعاور بعضها موضع بعض وإما لأنه أريد بمفردها جماعة الثمرة التي في قولك أدركت ثمرة بستان فلان (رزقا لكم) تعيشون له وهو بمعنى المرزوق شامل للمطعوم والملبوس مفعولا لأخرج ومن للتبيين كقولك أنفقت من الدراهم ألفا ويجوز أن يكون من الثمرات مفعولا ورزقا حالا منه أو مصدرا من أخرج بمعنى رزق أو للتبعيض بدليل قوله تعالى فأخرجنا به ثمرات كأنه قيل أنزل من السماء بعض الماء فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم إذ لم ينزل من السماء كل الماء ولا أخرج بالمطر كل الثمار ولا جعل كل الرزق ثمرا وخروج الثمرات وإن كان بمشيئته عز وجل وقدرته لكن جرت عادته تعالى
(٤٧)