أيضا مبتلى بمثل ما ابتلوا به ومحتاج إلى الإصراخ فكيف من إصراخ الغير ولذلك آثر الجملة الاسمية فكان ما مضى كان جوابا منه عن توبيخهم وتقريعهم وهذا جواب عن استغاثتهم واستعانتهم به في استدفاع ما دهمهم من العذاب وقرئ بكسر الياء (إني كفرت) اليوم (بما أشركتموني من قبل) أي بإشراككم إياي بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله تعالى ويوم القيامة يكفرون بشرككم يعني أن إشراككم لي بالله سبحانه هو الذي يطمعكم في نصرتي لكم بأن كان لكم على حق حيث جعلتموني معبودا وكنت أود ذلك وأرغب فيه فاليوم كفرت بذلك ولم أحمده ولم أقبله منكم بل تبرأت منه ومنكم فلم يبقى بيني وبينكم علاقة أو كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى كما في قوله سبحان ما سخر كن لنا فيكون تعليلا لعدم إصراخه فإن الكافر بالله سبحانه بمعزل من الإغاثة والإعانة سواء كان بالمدافعة أو الشفاعة وأما جعله تعليلا لعدم إصراخهم إياه فلا وجه له إذ لا احتمال له حتى يحتاج إلى التعليل ولأن تعليل عدم إصراخهم بكفره يوهم أنهم بسبيل من ذلك لولا المانع من جهته (إن الظالمين لهم عذاب أليم) تتمة كلامه أو ابتداء كلام من جهة الله عز وجل وفي حكاية أمثاله لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم) أي بأمره أو بتوفيقه وهدايته وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد من اللطف بهم والمدخلون هم الملائكة عليهم السلام وقرئ على صيغة التكلم فيكون قوله تعالى بإذن ربهم متعلقا بقوله تعالى (تحيتهم فيها سلام) أي يحيهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم (ألم تر) الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وقد علق بما بعده من قوله تعالى (كيف ضرب الله مثلا) أي كيف اعتمده ووضعه في موضعه اللائق به (كلمة طيبة) منصوب بمضمر أي جعل كلمة طيبة هي كلمة التوحيد أو كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة (كشجرة طيبة) أي حكم بأنها مثلها لا أنه تعالى صيرها مثلها في الخارج وهو تفسير لقوله ضرب الله مثلا كقولك شرف الأمير زيدا كساه حلة وحمله على فرس ويجوز أن يكون كلمة بدلا من مثلا وكشجرة صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة وأن يكون أو مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل قد أخر عن ثانيهما أعني مثلا لئلا يبعد عن صفته التي هي كشجرة وقد قرئت بالرفع على الابتداء (أصلها ثابت) أي ضارب بعروقه في الأرض وقرأ أنس بن مالك رضي الله عنه كشجرة طيبة ثاتب أصلها وقراءة الجماعة أقوى سبكا وأنسب بقرينته أعنى قوله تعالى (وفرعها) أي أعلاها (في السماء) في جهة العلو ويجوز أن يراد وفروعها على الاكتفاء بلفظ الجنس عن الجمع
(٤٣)