«وقيل للذين اتقوا» أي المؤمنين وصفوا بالتقوى إشعارا بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشئ عن التقوى «ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا» سلكوا في الجواب مسلك السؤال من غير تلعثم ولا تغيير في الصورة والمعنى أي أنزل خيرا فإنه جواب مطابق للسؤال ولسبك الواقع في نفس الأمر مضمونا وأما الكفرة فإنهم خذلهم الله تعالى كما غيروا الجواب عن نهج الحق الواقع الذي ليس له من دافع غيروا صورته وعدلوا بها عن سنن السؤال حيث رفعوا الأساطير روما لما مر من إنكار النزول روى أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون وأمروه بالانصراف وقالوا إن لم تلفه كان خيرا لك فيقول أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه فيلقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فيخبرونه بحقيقة الحال فهم الذين قالوا خيرا «للذين أحسنوا» أي أعمالهم أو فعلوا الإحسان «في هذه» الدار «الدنيا حسنة» أي مثوبة حسنة مكافأة فيها «ولدار الآخرة» أي مثوبتهم فيها «خير» مما أوتوا في الدنيا من المثوبة أو خير على الإطلاق فيجوز إسناد الخيرية إلى نفس دار الآخرة «ولنعم دار المتقين» أي دار الآخرة حذف لدلالة ما سبق عليه وهذا كلام مبتدأ مدح الله تعالى به المتقين وعد جوابهم المحكى من جملة إحسانهم ووعدهم بذلك ثوابي الدنيا والآخرة فلا محل له من الإعراب أو بدل من خيرا أو تفسير له أي انزل خيرا هو هذا الكلام الجامع قالوه ترغيبا للسائل «جنات عدن» خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم جنات ويجوز أن يكون هو المخصوص بالمدح «يدخلونها» صفة لجنات على تقدير تنكير عدن وكذلك «تجري من تحتها الأنهار» أو كلاهما حال على تقدير علميته «لهم فيها» في تلك الجنات «ما يشاؤون» الظرف الأول خبر لما والثاني حال منه والعامل ما في الأول أو متعلق به أي حاصل لهم فيها ما يشاءون من أنواع المشتهيات وتقديمه للاحتراز عن توهم تعلقه بالمشيئة أو لما مر مرارا من أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده عليها فضل تمكن «كذلك» مثل ذلك الجزاء الأوفى «يجزي الله المتقين» اللام للجنس أي كل من يتقي من الشرك والمعاصي ويدخل فيه المتقون المذكورون دخولا أوليا ويكون فيه بعث لغيرهم على التقوى أو للعهد فيكون فيه تحسير للكفرة «الذين تتوفاهم الملائكة» نعت للمتقين وقوله تعالى «طيبين» أي طاهرين عن دنس الظلم لأنفسهم حال من الضمير
(١١٠)