لإزالته وقد وقرأ الكسائي لتزول بفتح اللام على أنها الفارقة والمعنى تعظيم مكرهم فالجملة حال من قوله تعالى وعند الله مكرهم أي عنده تعالى جزاء مكرهم أو المكر بهم والحال أن مكرهم بحيث تزول منه الجبال أي في غاية الشدة وقرئ بالفتح والنصب على لغة من بفتح لام كي وقرئ وإن كاد مكرهم هذا هو الذي يقتضيه النظم الكريم وينساق إليه الطبع السليم وقد قيل إن الضمير في مكروا للمنذرين والمراد بمكرهم ما أفاده قوله عز وجل وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك الآية وغيره من أنواع مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل الوجه حينئذ أن يكون قوله تعالى وقد مكروا الخ حالا من القول المقدر أي فيقال لهم ما يقال والحال أنهم مع ما فعلوا من الإقسام المذكور مع ما ينافيه من السكون في مساكن المهلكين وتبين أحوالهم وضرب الأمثال قد مكروا مكرهم العظيم أي لم يكن الصادر عنهم مجرد الإقسام الذي وبخوا به بل اجترءوا على مثل هذه العظيمة وقوله تعالى وعند الله تعالى مكرهم حال من ضمير مكروا حسبما ذكرنا من قبل وقوله تعالى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال مسوق لبيان عدم تفاوت الحال في تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويا أو ضعيفا كما مر هناك وعلى تقدير كون إن نافية فهو حال من ضمير مكروا والجبال عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي وقد مكروا والحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع والآيات التي هي في القوة كالجبال وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة واللام مكسورة يكون حالا منه أيضا على معنى أن ذلك المكر العظيم منهم كان لهذا الغرض على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها ماكر وعلى تقدير فتح اللام فهو حال من قوله تعالى وعند الله مكرهم كما ذكرنا من قبل فليتأمل (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) لم يرد به والله سبحانه أعلم ما وعده بقوله تعالى إنا لننصر رسلنا الآية وقوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي كما قيل فإنه لا اختصاص له بالتعذيب لا سيما الأخروى بل ما سلف آنفا من وعده بتعذيب الظالمين بقوله تعالى إنما يؤخرهم الآية كما يفصح عنه الفاء الداخلة على النهي الذي أريد به تثبيته عليه الصلاة والسلام على ما كان عليه من الثقة بالله تعالى والتيقن بإنجاز وعده المذكور المقرون بالامر بإنذارهم يوم إتيان العذاب المتضمن لذكر تعذيب الأمم السالفة بسبب كفرهم وعصيانهم رسلهم بعد ما وعدهم بذلك كما فصلت قصة كل منهم في القرآن العظيم فكأنه قيل وإذ قد وعدناك بعذاب الظالمين يوم القيامة وأخبرناك بما يلقونه من الشدائد وبما يسألونه من الرد إلى الدنيا وبما أجبناهم به وقرعناهم بعدم تأملهم في أحوال من سبقهم من الأمم الذين أهلكناهم بظلمهم بعد ما وعدنا رسلهم بإهلاكهم فدم على ما كنت عليه من اليقين بعدم إخلافنا رسلنا وعدنا (إن اله عزيز) غالب لا يماكر وقادر (ذو انتقام) لأوليائه من أعدائه والجملة تعليل للنهي المذكور وتذييل له وحيث كان الوعد عبارة عما ذكرنا من تعذيبهم خاصة لم يذيل بأن يقال إن الله لا يخلف الميعاد بل تعرض لوصف العزة والانتقام المشعرين بذلك والمراد بالانتقام ما أشير إليه بالفعل وعبر عنه بالمكر
(٥٩)