والسلام لما أسكن إسماعيل وهاجر هناك وعاد متوجها إلى الشام تبعته هاجر وجعلت تقول إلى من تكلنا في هذا البلقع وهو لا يرد عليها جوابا حتى قالت آلله أمرك بهذا فقال نعم قالت إذا لا يضيعنا فرضيت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء اقبل على الوادي فقال ربنا إني أسكنت الآية وإنما فصل ما بينهما تثنية للامتنان وإيذانا بأن كلا منهما نعمة جليلة مستتبعة لشكر كثير كما في قصة البقرة (وجنبني وبني) بعدني وإياهم (إن نعبد الأصنام) واجعلنا منها في جانب بعيد أي ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام وقرئ واجنبني من الأفعال وهما لغة أهل نجد يقولون جنبني شره وأجنبني شره وأما أهل الحجاز فيقولون جنبني شره وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء عليهم السلام بتوفيق الله تعالى والظاهر أن المراد ببنيه أولاده الصلبية فلا احتجاج به لا بن عيينة رضي الله عنه على أن أحدا من أولاد إسماعيل عليه السلام لم يعبد الصنم وإنما كان لكل قوم حجر نصبوه وقالوا هو حجر والبيت حجر فكانوا يدورون به ويسمونه الدوار فاستحب أن يقال طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت وليت شعري كيف ذهب عليه ما في القرآن العظيم من قوارع تنعى على قريش عبادة الأصنام على أن فيما ذكره كرا على ما فر منه (رب إنهن) أي الأصنام (أضللن كثيرا من الناس) أي تسببن له كقوله تعالى وغرتهم الحياة الدنيا وهو تعليل لدعائه وإنما صدره بالنداء إظهارا لاعتنائه به ورغبة في استجابته (فمن تبعني) منهم فيما أدعو إليه من التوحيد وملة الإسلام (فإنه مني) أي بعضي قاله عليه السلام مبالغة في بيان اختصاصه به أو متصل بي لا ينفك عني في أمر الدين (ومن عصاني) أي لم يتبعني والتعبير عنه بالعصيان للإيذان بأنه عليه السلام مستمر على الدعوة وأن عدم اتباع من لم يتبعه إنما هو لعصيانه لا لأنه لم يبلغه الدعوة (فإنك غفور رحيم) قادر على أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد توبته وفيه أن كل ذنب فلله تعالى أن يغفره حتى الشرك خلا أن الوعيد قضى بالفرق بينه وبين غيره (ربنا) آثر عليه السلام ضمير الجماعة لا لما قيل من تقدم ذكره وذكر بنيه وإلا لراعاه في قوله رب إنهن الخ بل لأن الدعاء المصدر به وما أورده بصدد تمهيد مبادى إجابته من قوله (إني أسكنت) الآية متعلق بذريته فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخل في القبول وإجابة المسؤول (من ذريتي) أي بعضهم أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهو إسماعيل عليه السلام وما سيولد له فإن إسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمن لإسكانهم روى أن هاجر أم إسماعيل عليه السلام كانت لسارة فوهبتها من إبراهيم عليه السلام فلما ولدت له إسماعيل عليه السلام غارت عليهما فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله تعالى عين زمزم (بواد غير ذي زرع) لا يكون فيه زرع أصلا وهو وادي مكة شرفها الله تعالى (عند
(٥١)