عليه وقوله تعالى (لا يعلمهم إلا الله) اعتراض أو الموصول مبتدأ ولا يعلمهم إلى آخره خبره والجملة اعتراض والمعنى أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون وكان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا قرأ هذه الآية قال كذب النسابون يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله تعالى علمها عن العباد (جاءتهم رسلهم) استئناف لبيان نبئهم (بالبينات) بالمعجزات الظاهرة والبينات الباهرة فبين كل رسول لأمته طريق الحق وهداهم إليه ليخرجهم من الظلمات إلى النور (فردوا أيديهم في أفواههم) مشيرين بذلك إلى ألسنتهم وما يصدر عنها من المقالة اعتناء منهم بشأنها وتنبيها للرسل على تلقيها والمحافظة عليها وإقناطا لهم عن التصديق والإيمان بإعلام أن لا جواب لهم سواه (وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به) أي على زعمكم وهي البينات التي أظهروها حجة على صحة رسالاتهم كقوله تعالى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ومرادهم بالكفر بها الكفر بدلالتها على صحة رسالاتهم أو فعضوها غيضا وضجرا مما جاءت به الرسل كقوله تعالى عضوا عليكم الأنامل من الغيض أو وضعوها عليها تعجبا منه واستهزاء به كمن غلبه الضحك أو إسكانا للأنبياء عليهم السلام وأمرا لهم بإطباق الأفواه أو ردوها في أفواه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يمنعونهم من التكلم تحقيقا أو تمثيلا أو جعلوا أيدي الأنبياء في أفواههم تعجبا من عتوهم وعنادهم كما ينبئ عنه تعجبهم بقولهم أفي الله شك الخ وقيل الأيدي بمعنى الأيادي عبر بها عن مواعظهم ونصائحهم وشرائعهم التي مدار النعم الدينية والدنياوية لأنهم لما كذبوها فلم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه (وإنا لفي شك) عظيم (مما تدعوننا إليه) من الإيمان بالله والتوحيد فلا ينافي شكهم في ذلك كفرهم القطعي بما أرسل به الرسل من البينات فإنهم كفروا بها قطعا حيث لم يعتدوا بها ولم يجعلوها من جنس المعجزات ولذلك قالوا فأتونا بسلطان مبين وقرئ تدعون بالإدغام (مريب) موقع في الريبة من أرابه أو ذي ريبة من أراب الرجل وهي قلق النفس وعدم اطمئنانها بالشيء (قالت رسلهم) استئناف مبني على سؤال ينساق إليه المقال كأنه قيل فماذا قالت لهم رسلهم فأجيب بأنهم قالوا منكرين عليهم ومتعجبين من مقالتهم الحمقاء (أفي الله شك) بإدخال الهمزة على الظرف للإيذان بان مدار الإنكار ليس نفس الشك بل وقوعه فيما لا يكاد يتوهم فيه الشك أصلا منقادين عن تطبيق الجواب على كلام الكفرة بأن يقولوا أأنتم في شك مريب من الله تعالى مبالغة في تنزيه ساحة السبحان عن شائبة الشك وتسجيلا عليهم بسخافة العقول أي أفي شأنه سبحانه من وجوده ووحدته ووجوب الإيمان به وحده شك ما وهو أظهر من كل ظاهر وأجلى من كل جلي حتى تكونوا من قبله في شك مريب وحيث كان مقصدهم الأقصى الدعوة إلى الإيمان والتوحيد
(٣٦)