الملك تقرير لمقالته وتحقيقا لها (كذلك) أي الأمر كما قالت لك وقوله تعالى (قال ربك) الخ استئناف مقرر له أي قال ربك الذي أرسلني إليك (هو) أي ما ذكرت لك من هبة الغلام من غير أن يمسك بشر أصلا (على) خاصة (هين) وإن كان مستحيلا عادة لما أنى أحتاج إلى الأسباب والوسائط وقوله تعالى (ولنجعله آية للناس) إما علة لمعلل محذوف أي ولنجعل وهب الغلام آية لهم وبرهانا يستدلون به على كمال قدرتنا نفعل ذلك أو معطوف على علة أخرى مضمرة أي لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية الخ والواو على الأول اعتراضية والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الجلالة (ورحمة) عظيمة كائنة (منا) عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بإرشاده (وكان) ذلك (أمرا مقضيا) محكما قد تعلق به قضاؤنا الأزلي أو قدر وسطر في اللوح لا بد من جريانه عليك البتة أو كان أمرا حقيقيا بأن يقضي ويفعل لتضمنه حكما بالغة (فحملته) بأن نفخ جبريل علية الصلاة والسلام في درعها فدخلت النفخة في جوفها قيل إنه علية الصلاة والسلام رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت وقيل نفخ عن بعد فوصل الريح إليها فحملت في الحال وقيل إن النفحة كانت في فيها وكانت مدة حملها سبعة أشهر وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيرة وقيل تسعة أشهر وقيل ثلاث ساعات وقيل ساعة كما حملت وضعته وسنها حينئذ ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين «فانتبذت به» أي فاعتزلت وهو في بطنها كما في قوله * تدوس بنا الجماجم والنريبا * فالجار والمجرور في حيز النصب على الحالية أي فانتبذت ملتبسة به «مكانا قصيا» بعيدا من أهلها وراء الجبل وقيل أقصى الدار وهو الأنسب بقصر مدة الحمل «فأجاءها المخاض» أي فألجأها وهو في الأصل منقول من جاء لكنه لم يستعمل في غيره كآتي في أعطى وقرئ المخاض بكسر الميم وكلاهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج «إلى جذع النخلة» لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة وهو ما بين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا راس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء والتعريف إما للجنس أو للعهد إذا لم يكن ثمة غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس ولعلة تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياتها ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها «قالت يا ليتني مت» بكسر الميم من مات يمات كخفت وقرئ بضمها من مات يموت «قبل هذا» أي هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت وإنما قالته مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل عليه السلام من الوعد الكريم استحياء من الناس وخوفا من لأئمتهم أو حذارا من وقوع الناس في المعصية بما تكلموا فيها أو جريا على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر عليهم كما روى عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تبنة من الأرض فقال يا ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئا وعن بلال أنه قال ليت بلال لم تلده أمه «وكنت نسيا» أي شيئا تافها شأنه أن ينسى ولا يعتد به أصلا وقرئ بالكسر قيل هما لغتان في ذلك كالوتر والوتر وقيل هو بالكسر اسم لما ينسى كالنقض اسم
(٢٦١)