تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٥ - الصفحة ٤٩
التي أنعم بها عليكم (لا تحصوها) لا تطيقوا بحصرها ولو إجمالا فإنها غير متناهية وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظ بها ففيه إيذان بعدم بلوغ مرتبة معتد بها من مراتبها فضلا عن بلوغ غايتها كيف لا وما من فرد من افراد الناس وإن كان في أقصى مراتب الفقر والإفلاس ممنوا بأصناف العنايا مبتلى بأنواع الرزايا فهو بحيث لو تأملته ألفيته متقلبا في نعم لا تحد ومنن لا تحصى ولا تعد كأنه قد أعطى كل ساعة وآن من النعماء ما حواه حيطة الإمكان وإن كنت في ريب من ذلك فقدر أنه ملك ملك أقطار العالم ودانت له كافة الأمم وأذعنت لطاعته السراة وخضعت لهيبته رقاب العتاة وفاز بكل مرام ونال كل منال وحاز جميع ما في الدنيا من أصناف الأموال من غير ند يزاحمه ولا شريك يساهمه بل قدر أن جميع ما فيها من حجر ومدر يواقيت غالية ونفائس درر ثم قدر أنه قد وقع من فقد مشروب أو مطعوم في حالة بلغت نفسه الحلقوم فهل يشتري وهو في تلك الحال بجميع ماله من الملك والمال لقمة تنجيه عن رواه أو شربة ترويه من ظمأه أم يختار الهلاك فتذهب الأموال والأملاك بغير بدل يبقي عليه ولا نفع يعود إليه كلا بل يبذل لذلك كل ما تحويه اليدان كائنا ما كان وليس في صفقته شائبة الخسران فإذن تلك اللقمة والشربة خير مما في الدنيا بألف رتبة مع أنهما في طرف الثمام ينالهما متى شاء من الليالي والأيام أو قدر أنه قد احتبس عليه النفس فلا دخل منه ما خرج ولا خرج منه ما ولح والحين قد حان وأتاه الموت من كل مكان أما يعطي ذلك كله بمقابلة نفس واحد بل يعطيه وهو لرأيه حامد فاذن هو خير من أموال الدنيا بحملتها ومطالبها برمتها مع أنه أبيح له كل آن من آنات الليالي والأيام حال اليقظة والمنام هذا من الظهور والجلاء بحيث لا يكاد يحفى على أحد من العقلاء وان رمت العثور على حقيقة الحق والوقوف على كل ماجل من السرودق فاعلم أن الانسان بمقتضى حقيقته الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما يتبعه من الكمالات اللائقة والملكات الرائقة بحيث لو انقطع ما بينه وبين العناية الإلهية من العلاقة لما استقر له القرار ولا اطمأنت به الدار الا في مطمورة العدم والبوار ومهاوى الهلاك والدمار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه ونقدس في كل زمان يمضى وكل آن يمر وينقض من أنواع الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وسائر صفاته الروحانية والنفسانية والجسمانية مالا يحيط به نطاق التعبير ولا يعلمه إلا العليم الخبير وتوضيحه أنه كمالا يستحق الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء وانما ذلك من جناب المبدأ الأول عز وجل فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الأصلي لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارىء لأن الاستمرار والدوام من خصائص الوجود الواجبي وأنت خبير بأن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله وشرائطه وإن وجب كونها متناهية لوجوب تناهى ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده ليست كذلك إذ لا استحالة في أن يكون لشيء واحد موانع غير متناهية وإنما الاستحالة في دخولها تحت الوجود فارتفاع تلك الموانع التي لا تتناهى أعنى بقاءها على العدم مع إمكان وجودها في أنفسها في كل آن من آنات وجوده نعم غير متناهية حقيقة
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الرعد 2
2 قوله تعالى: وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أ إنا لفي خلق جديد. 6
3 قوله تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب. 16
4 قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا. 25
5 سورة إبراهيم 30
6 قوله تعالى: قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض. 36
7 قوله تعالى: ألهم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. 45
8 الجزء الرابع عشر (سورة الحجر) قوله تعالى: الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين. 63
9 قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم. 80
10 (سورة النحل) قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه. 94
11 قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. 110
12 قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فارهبون. 119
13 قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا. 129
14 قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. 136
15 قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. 144
16 الجزء الخامس عشر (سورة الإسراء) قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. 154
17 قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. 166
18 قوله تعالى: وقل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم. 177
19 قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر والبحر و رزقناهم من الطيبات. 186
20 قوله تعالى: أولم يروا أن الله خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم. 197
21 (سورة الكهف) 202
22 قوله تعالى: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. 211
23 قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل. 221
24 قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم. 228
25 الجزء السادس عشر قوله تعالى: قال ألم أقل لك إنك تستطيع معي صبرا. 236
26 قوله تعالى: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. 247
27 (سورة مريم عليها السلام) 252
28 قوله تعالى: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. 261
29 قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف تلقون غيا. 272