وعليه يدور حصول المرام وإنما الواقع في تلك المقابلة سوء الحساب في قوله تعالى «أولئك لهم سوء الحساب» وحيث كان اسم الإشارة الواقع مبتدأ في هذه الجملة عبارة عن الموصول الواقع مبتدأ في الجملة السابقة كان خبرها أعني الجملة الظرفية خبرا عن الموصول في الحقيقة ومبينا لإبهام مضمون الشرطية الواقعة خبرا عنه أولا ولذلك ترك العطف فصار كأنه قيل والذين لم يستجيبوا له لهم سوء الحساب وذلك في قوة أن يقال وللذين لم يستجيبوا له سوء الحساب مع زيادة تأكيد فتم حسن المقابلة على أبلغ وجه وآكده ثم بين مؤدى ذلك فقيل «ومأواهم» أي مرجعهم «جهنم» وفيه نوع تأكيد لتفسير الحسنى بالجنة «وبئس المهاد» أي المستقر والمخصوص بالذم محذوف وقيل اللام في قوله تعالى للذين استجابوا لربهم متعلقة بقوله يضرب الله الأمثال أي الأمثال السالفة وقوله الحسنى صفة للمصدر أي استجابوا الاستجابة الحسنى وقوله والذين لم يستجيبوا له معطوف على الموصول الأول وقوله لو أن لهم الخ كلام مستأنف مسوق لبيان ما أعد لغير المستجيبين من العذاب والمعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين المستجيبين والكافرين المعاندين أي هما مثلا الفريقين وأنت خبير بأن عنوان الاستجابة وعدمها لا مناسبة بينه وبين ما يدور عليه أمر التمثيل وأن الاستعمال المستفيض دخول اللام على من يقصد تذكيره بالمثل نعم قد يستعمل في هذا المعنى أيضا كما في قوله سبحانه ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ونظائره على أن بعض الأمثال المضروبة لا سيما المثل الأخير الموصول بالكلام ليس مثل الفريقين بل مثل للحق والباطل ولا مساغ لجعل الفريقين مضروبا لهم أيضا بأن يجعل في حكم أن يقال كذلك يضرب الله الأمثال للناس إذ لا وجه حينئذ لتنويعهم إلى المستجيبين وغير المستجيبين فنأمل «أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك» من القرآن الذي مثل بالماء المنزل من السماء والإبريز الخالص في المنفعة والجدوى «الحق» الذي لا حق وراءه أو الحق الذي أشير إليه بالأمثال المضروبة فيستجيب له «كمن هو أعمى» عمى القلب لا يشاهده وهو نار على علم ولا يقدر قدره وهو في أقصى مراتب العلو والعظم فيبقى حائرا في ظلمات الجهل وغيا هب الضلال أو لا يتذكر بما ضرب من الأمثال أي كمن لا يعلم ذلك إلا أنه أريد زيادة تقبيح حاله فعبر عنه بالأعمى وإيراد الفاء بعد الهمزة لتوجيه الإنكار إلى ترتب توهم المماثلة على ظهور حال كل منهما بما ضرب من الأمثال وبين المصير والمآل كأنه قيل أبعد ما بين حال كل من الفريقين ومآلهما يتوهم المماثلة بينهما ثم استؤنف فقبل «إنما يتذكر» بما ذكر من المذكرات فيقف على ما بينهما من التفاوت والتنائي «أولوا الألباب» أي العقول الخالصة المبرأة من مشايعة الإلف ومعارضة الوهم «الذين يوفون بعهد الله» بما عقدوا على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته تعالى حين قالوا بلى أو ما عهد الله عليهم في كتبه «ولا ينقضون الميثاق» ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين
(١٦)