وأياما كان فليس ذلك غرضا حقيقيا لهم من اتخاذ الأنداد لكن لما كان ذلك نتيجة له شبه بالغرض وأدخل عليه اللام بطريق الاستعارة التبعية (قل) تهديدا لأولئك الضالين المضلين ونعيا عليهم وإيذانا بأنهم لشدة إبائهم قبول الحق وفرط انهما كهم في الباطل وعدم ارعوائهم عن ذلك بحال أحقاء بأن يضرب عنهم صفحا ويعطف عنهم عنان العظة ويخلوا وشأنهم ولا ينهوا عنه بل يؤمروا بمباشرته مبالغة في التخلية والخذلان ومسارعة إلى بيان عاقبته الوخيمة ويقال لهم (تمتعوا) بما أنتم عليه من الشهوات التي من جملتها كفران النعم العظام واستتباع الناس في عبادة الأصنام (فإن مصيركم إلى النار) ليس إلا فلا بد لكم من تعاطي ما يوجب ذلك ويقتضيه من أحوالكم بل هي في الحقيقة صورة لدخولها ومثال له حسبما يلوح به قوله سبحانه وأحلوا قومهم دار البوار الخ فهو تعليل للأمر المأمور وفيه من التهديد الشديد الوعيد الأكيد مالا يوصف أو قل لهم تصوير الحالهم وتعبيرا عما يلجئهم إلى ذلك تمتعوا إيذانا بأنهم لفرط انغماسهم في التمتع بما هم فيه من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم مأمورون بذلك من قبل آمر الشهوة مذعنون لحكمه منقادون لأمره كدأب مأمور ساع في خدمة آمر مطاع فليس قوله تعالى فإن مصيركم إلى النار حينئذ تعليلا للأمر بل هو جواب شرط ينسحب عليه الكلام كأنه قيل هذه حالكم فإن دمتم عليه فإن مصيركم إلى النار وفيه التهديد والوعيد لا في الأمر (قل لعبادي الذين آمنوا) خصهم بالإضافة إليه تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون لوظائف العبودية الموفون بحقوقها وترك العاطف بين الأمرين للإيذان بتباين حالهما باعتبار المقول تهديدا وتشريفا والمقول ههنا محذوف دل عليه الجواب أي قل لهم أقيموا وأنفقوا (يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم) أي يداوموا على ذلك وفيه إيذان بكمال مطاوعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم وغاية مسارعتهم إلى الامتثال بأوامره وقد جوزوا أن يكون المقول يقيموا وينفقوا بحذف لام الأمر عنهما وإنما حسن ذلك دون الحذف في قوله [محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما خلفت من أمر تبالا] لدلالة قل عليه وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا قد أقيما مقامهما وليس بذاك (سرا وعلانية) منتصبان على المصدرية من الأمر المقدر لا من جواب الأمر المذكور أي أنفقوا إنفاق سر وعلانية والأحب في الإنفاق إخفاء المتطوع به وإعلان الواجب والمراد حث المؤمنين على الشكر لنعم الله سبحانه بالعبادة البدنية والمالية وترك التمتع بمتاع الدنيا والركون إليها كما هو صنيع الكفر (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) فيبتاع المقصر ما يتلافى به تقصيره أو تفتدي به نفسه والمقصود نفي عقد المعاوضة بالمرة وتخصيص البيع بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقد إذ انتفاء البيع المستلزم انتفاء الشراء على أبلغ وجه وانتفاؤه بما يتصور مع تحقق الإيجاب من قبل البائع (ولا خلال) ولا مخالة فيشفع له خليل أو يسامحه بمال يفتدى به نفسه أو من قبل أن يأتي يو لا أثر فيه لما لهجوا بتعاطيه من البيع
(٤٦)