بيتك) ظرف لأسكنت كقولك صليت بمكة عند الركن لا أنه صفة لواد أو بدل منه إذ المقصود إظهار كون ذلك الإسكان مع فقدان مباديه بالمرة لمحض التقرب إلى الله تعالى والالتجاء إلى جواره الكريم كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الحرمة المؤذن بعزة الملتجأ وعصمته عن المكاره في قوله تعالى (المحرم) حيث حر التعرض له والتهاون به أو لم يزل معظما ممنعا يهابه الجبابرة في كل عصر أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمى عتيقا وتسميته إذ ذاك بيتا ولم يكن له بناء وإنما كان نشزا مثل الرابية تأتيه السيول فتأخذ ذات اليمين وذات الشمال ليست باعتبار ما سيئول إليه الأمر من بنائه عليه السلام فإنه ينزع إلى اعتبار عنوان الحرمة أيضا كذلك بل إنما هي باعتبار ما كان من قبل فإن تعدد بناء الكعبة المعظمة مما لا ريب فيه وإنما الاختلاف في كمية عدده وقد ذكرناها في سورة البقرة بفضل الله تعالى (ربنا ليقيموا الصلاة) متوجهين إليه متبركين به وهو متعلق بأسكنت وتخصيصها بالذكر من بين سائر شعائر الدين لفضلها وتكرير النداء وتوسيطه لإظهار كمال العناية بإقامة الصلاة والاهتمام بعرض أن الغرض من إسكانهم بذلك الوادي البلقع ذلك المقصد الأقصى والمطلب الأسنى وكل ذلك لتمهيد مبادى إجابة دعائه وإعطاء مسئوله الذي لا يتسنى ذلك المرام إلا به ولذلك أدخل عليه الفاء فقال (فاجعل أفئدة من الناس) أي أفئدة من أفئدتهم فمن للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم وأما ما زيد عليه من قولهم ولحجت اليهود والنصارى فغير مناسب للمقام إذ المسؤول توجيه القلوب إليهم للمساكنة معهم لا توجيهها إلى البيت للحج وإلا لقيل تهوى إليه فإنه عين الدعاء بالبلدية قد حكى بعبارة أخرى كما مر أو لابتداء الغاية كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس وقرئ آفدة على القلب كآدر في أدؤر أو على أنه اسم فاعل من أفدت الرحلة أي عجلت أي جماعة من الناس وأفدة بطرح الهمزة من الأفئدة أو على النعت من أفد (تهوى إليهم) تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ على البناء للمفعول من أهواه غيره وتهوى من باب علم أي تحب وتعديته إلى لتضمنه معنى الشوق والنروع وأول آثار هذه الدعوة ما روى أنه مرت رفقة من جرهم تريد الشام فرأ والطير تحوم على الجبل فقالوا ان هذا الطائر لعائف على الماء فأشر فوا فإذا هم بهاجر فقالوا لها ان شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك فأذنت لهم وكانوا معها إلى أن شب إسماعيل عليه السلام وماتت هاجر فتزوج إسماعيل منهم كما هو المشهور (وارزقهم) أي ذريتي الذين أسكنهم هناك أو مع من ينحاز إليهم من الناس وإنما لم يخص الدعاء بالمؤمنين منهم كما في قوله وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر اكتفاء بذكر إقامة الصلاة (من الثمرات) من أنواعها بأن بجعل بقرب منه قرى يحصل فيها ذلك أو يجبى إليه من الأقطار الشاسعة وقد حصل كلاهما حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد 0 روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الطائف كانت من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوة رفعها الله تعالى ووضعها حيث وضعها رزقا للحرم وعن الزهري رضى الله عنه أنه تعالى نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام (لعلهم يشكرون) تلك النعمة بإقامة الصلاة وأداء سائر مراسم العبودية وقيل اللام في ليقيموا لام الأمر والمراد أمرهم بإقامة الصلاة والدعاء من الله تعالى
(٥٢)