العقوبة التي ينبئ عنها قوله تعالى «أولئك» الخ أي أولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح «لهم» بسبب ذلك «اللعنة» أي الإبعاد من رحمة الله تعالى «ولهم» مع ذلك «سوء الدار» أي سوء عاقبة الدنيا أو عذاب جهنم فإنها دارهم لأن ترتيب الحكم على الموصول مشعر بعلية الصلة له ولا يخفى أنه لا دخل له في ذلك على أكثر التفاسير فإن مجازاة السيئة بمثلها مأذون فيها ودفع الكلام السيء بالحسن وكذا الإعطاء عند المنع والعفو عند الظلم والوصل عند القطع ليس مما يورث تركه تبعة وأما ما اعتبر اندراجه تحت الصلة الثانية من الإخلال ببعض الحقوق المندوبة فلا ضير في ذلك لأن اعتباره من حيث إنه من مستتبعات الإخلال بالعزائم بالكفر ببعض الأنبياء وعقوق الوالدين وترك سائر الحقوق الواجبة وتكرير لهم للتأكيد والإيذان باختلافهما واستقلال كل منهما في الثبوت «الله يبسط الرزق» أي يوسعه «لمن يشاء» من عباده «ويقدر» أي يضيقه على من يشاء حسبما تقتضيه الحكمة من غير أن يكون لأحد مدخل في ذلك ولا شعور بحكمته فربما يبسطه للكافر إملاء واستدراجا وربما يضيقه على المؤمن زيادة لأجره فلا يغتر ببسط الكافر كما لا يقنط بقدره المؤمن «وفرحوا» أي أهل مكة فرح أشر وبطر لا فرح سرور بفضل الله تعالى «بالحياة الدنيا» وما بسط لهم فيها من نعيمها «وما الحياة الدنيا» وما يتبعها من النعيم «في الآخرة» أي في جنب نعيم الآخرة «إلا متاع» إلا شيء نزر يتمتع به كعجالة الراكب وزاد الراعي والمعنى أنهم رضوا بحظ الدنيا معرضين عن نعيم الآخرة والحال أن ما أشروا به في جنب ما أعرضوا عنه شيء قليل النفع سريع النفاد «ويقول الذين كفروا» أي أهل مكة وإيثار هذه الطريقة على الإضمار مع ظهور إرادتهم عقيب ذكر فرحهم بالحياة الدنيا لذمهم والتسجيل عليهم بالكفر فيما حكى عنهم من قولهم «لولا أنزل عليه آية من ربه» فإن ذلك في أقصى مراتب المكابرة والعناد كأن ما أنزل عليه السلام من الآيات العظام الباهرة ليس بآية حتى اقترحوا مالا تقتضيه الحكمة من الآيات المحسوسة التي لا يبقى لأحد بعد ذلك طاقة بعدم القبول ولذلك أمر في الجواب بقوله تعالى «قل إن الله يضل من يشاء» إضلاله مشيئته تابعة للحكمة الداعية إليها أي يخلق فيه الضلال لصرفه اختياره إلى تحصيله ويدعه منهمكا فيه لعلمه بأنه لا ينجع فيه اللطف ولا ينفعه الإرشاد كمن كان على صفتكم في المكابرة والعناد وشدة الشكيمة والغلو في الفساد فلا سبيل له إلى الاهتداء ولو جاءته كل آية «ويهدي إليه» أي إلى جنابه العلي الكبير هداية موصلة إليه لا دلالة مطلقة على ما يوصل إليه فإن ذلك غير مختص بالمهتدين وفيه من تشريفهم مالا يوصف «من أناب» أقبل
(١٩)