الأرض لعدم دخل ذلك العنوان في التمثيل كما أن لعنوان إنزال الماء من السماء دخلا فيه حسبما فصل فيما سلف بل له إخلال بذلك «كذلك» أي مثل ذلك الضرب البديع المشتمل على نكت رائقة «يضرب الله الحق والباطل» أي مثل الحق ومثل الباطل والحذف للأنباء عن كمال التماثل بين الممثل والممثل به كأن المثل المضروب عين الحق والباطل وبعد تحقيق التمثيل مع الإيماء في تضاعيف ذلك إلى وجوه المماثلة على أبدع وجوه وآنقها حسبما أشير إليه في مواقعها بين عاقبة كل من الممثلين على وجه التمثيل مع التصريح ببعض ما به المماثلة من الذهاب والبقاء تتمة للغرض من التمثيل من الحث على اتباع الحق الثابت والردع عن الباطل الزائد فقيل «فأما الزبد» من كل منهما «فيذهب جفاء» أي مرميا به وقرئ جفالا والمعنى واحد «وأما ما ينفع الناس» منهما كالماء الصافي والفلز الخاص «فيمكث في الأرض» أما الماء فيثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنا والآبار وأما الفلز فيصاغ من بعضه أنواع الحلي ويتخذ من بعضه أصناف الآلات والأدوات فينتفع بكل من ذلك أنواع الانتفاعات مدة طويلة فالمراد ابا لمكث في الأرض ما هو أعم من المكث في نفسها ومن البقاء في أيدي المتقلبين فيها وتغيير ترتيب اللف الواقع في الفذلكة الموافق للترتيب الواقع في التمثيل لمراعاة الملاءمة بين حالتي الذهاب والبقاء وبين ذكريهما فان المعتبر إنما هو بقاء الباقي بعد ذهاب الذاهب لا قبله «كذلك يضرب الله» أي مثل ذلك الضرب العجيب يضرب «الأمثال» في كل باب إظهارا لكمال اللطف والعناية في الإرشاد والهداية وفيه تفخيم لشأن هذا التمثيل وتأكيد لقوله كذلك يضرب الله الحق والباطل إما باعتبار ابتناء هذا على التمثيل الأول أو بجعل ذلك إشارة إليهما جميعا وبعد ما بين شأن كل من الحق والباطل حالا ومآلا أكمل بيان شرع في بيان حال أهل كل منهما مآلا تكميلا للدعوة ترغيبا وترهيبا فقيل «للذين استجابوا لربهم» إذ دعاهم إلى الحق بفنون الدعوة التي من جملتها ضرب الأمثال فإنه الطف ذريعة إلى تفهيم القلوب الغبية وأقوى وسيلة إلى تسخير النفوس الأبية كيف لا وهو تصوير للمعقول بصورة المحسوس وإبراز لا وابد المعاني في هيئة المأنوس فأي دعوة أولى منه بالاستجابة والقبول «الحسنى» أي المثوبة الحسنى وهي الجنة «والذين لم يستجيبوا له» وعاندوا الحق الجلي «لو أن لهم ما في الأرض» من أصناف الأموال «جميعا» بحيث لم يشذ منه شاذ في أقطارها أو مجموعا غير متفرق بحسب الأزمان «ومثله معه لافتدوا به» أي بما في الأرض ومثله معه جميعا ليتخلصوا عما بهم وفيه من تهويل ما يلقاهم ما لا يحيط به البيان فالموصول مبتدأ والشرطية كما هي خبره لكن لا على أنها وضعت موضع السوءى فوقعت في مقابلة الحسنى الواقعة في القرينة الأولى لمراعاة حسن المقابلة فصار كأنه قيل والذين لم يستجيبوا له السوءى كما يوهم فإن الشرطية وإن دلت على كما سوء حالهم لكنها بمعزل من القيام مقام لفظ السوءى مصحوبا باللام الداخلة على الموصول أو ضميره
(١٥)