إلى الحق وتأمل في تضاعيف ما نزل من دلائله الواضحة وحقيقة الإنابة لدخول في نوبة الخير وإيثار إيرادها في الصلة على إيراد المشيئة كما في الصلة الأولى للتنبيه على الداعي إلى الهداية بل إلى مشيئتها والإشعار بما دعا إلى المشيئة الأولى من المكابرة وفيه حث للكفرة على الإقلاع عماهم عليه من العتو والعناد وإيثار صيغة الماضي للإيماء إلى استدعاء الهداية لسابقة الإنابة كما أن إيثار صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على استمرار المشيئة حسب استمرار مكابرتهم «الذين آمنوا» بدل ممن أناب فإن أريد بالهداية الهداية المستمرة فالأمر ظاهر لظهور كون الإيمان مؤديا إليها وإن أريد إحداثها فالمراد بالذين آمنوا الذين صار أمرهم إلى الإيمان كما في قوله تعالى هدى للمتقين أي الصائرين إلى التقوى وإلا فالإيمان لا يؤدي إلى الهداية نفسها أو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا أو منصوب على المدح «وتطمئن قلوبهم» أي تستقر وتسكن «بذكر الله» بكلامه المعجز الذي لا ريب فيه كقوله تعالى وهذا ذكر مبارك أنزلناه وقوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ويعلمون أن لا أعظم منه فيقترحوها والعدول إلى صيغة المضارع لإفادة دوام الاطمئنان وتجدده حسب تجدد الآيات وتعددها «ألا بذكر الله» وحده «تطمئن القلوب» دون غيره من الأمور التي تميل إليها النفوس من الدنياويات وهذا ظاهر وأما سائر المعجزات فالقصر من حيث إنها ليست في إفادة الطمأنينة بالنسبة إلى من لم يشاهدها بمثابة القرآن المجيد فإنه معجزة باقية إلى يوم القيامة يشاهدها كل أحد وتطمئن به القلوب كافة وفيه إشعار بأن الكفرة ليست لهم قلوب وأفئدتهم هواء حيث لم يطمئنوا بذكر الله تعالى ولم يعدوه آية وهو أظهر الآيات وأبهرها وقيل تطمئن قلوبهم بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته كقوله تعالى ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله أو بذكر دلائله الدالة على وحدانيته أو بذكره جل وعلا نسا به وتبتلا إليه فالمراد بالهداية دوامها واستمرارها «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» بدل من القلوب على حذف المضاف بدل الكل حسبما رمز إليه أي قلوب الذين آمنوا وفيه إيماء إلى أن الإنسان إنما هو القلب أو مبتدأ خبره الجملة الدعائية على التأويل أعنى قوله «طوبى لهم» أو خبر مبتدأ مضمر أو نصب على المدح فطوبى لهم حال عاملها الفعلان وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى والواو منقلبة من الياء كموقن وموسر وقرأ مكوزة الأعرابي طيبي لتسلم الياء والمعنى أصابوا خيرا ومحلها النصب كسلاما لك أو الرفع على الابتداء وإن كانت نكرة لكونها في معنى الدعاء كسلام عليك يدل على ذلك القراءة في قوله تعالى «وحسن مآب» بالنصب والرفع واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك «كذلك»
(٢٠)