من خلق السماوات والأرض وما فيها على هذا النمط البديع المنطوى على الحكم الفائقة والمصالح اللائقة فإن علمه عز وجل بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها بارزها وكامنها وما يليق بكل واحد منها يستدعي ان يخلق كل ما يخلقه على الوجه الرائق وقرئ وهو بسكون الهاء تشبيها له بعضد «وإذ قال ربك» بيان لأمر آخر من جنس الأمور المتقدمة المؤكدة للإنكار والاستبعاد فإن خلق آدم عليه السلام وما خصه به من الكرامات السنية المحكية من اجل النعم الداعية لذريته إلى الشكر والإيمان الناهية عن الكفر والعصيان وتقرير لمضمون ما قبله من قوله تعالى «خلق لكم ما في الأرض جميعا» وتوضيح لكيفية التصرف والانتفاع بما فيها وتلوين الخطاب بتوجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة للإيذان بأن فحوى الكلام ليس مما يهتدى اليه بأدلة العقل كالأمور المشاهدة التي نبه عليها الكفرة بطريق الخطاب بل انما طريقة الوحي الخاص به عليه السلام وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من الإنباء عن تشريفه عليه السلام ما لا يخفى وإذ ظرف موضوع لزمان نسبة ماضية وقع فيه نسبة أخرى مثلها كما ان إذا موضوع لزمان نسبة مستقبلة يقع فيه أخرى مثلها ولذلك يجب اضافتهما إلى الجمل وانتصابه بمضمر صرح بمثله في قوله عز وجل «واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم» وقوله تعالى «واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد» وتوجيه الامر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمبالغة في ايجاب ذكرها لما ان ايجاب ذكر الوقت ايجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولان الوقت مشتمل عليها فإذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها كأنها مشاهدة عيانا وقيل ليس انتصابه على المفعولية بل على تأويل اذكر الحادث فيه بحذف المظروف وإقامة الظرف مقامه وأياما كان فهو معطوف على مضمر آخر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل له عليه السلام غب ما أوحى إليه ما خوطب به الكفرة من الوحي الناطق بتفاصيل الأمور السابقة الزاجرة عن الكفر به تعالى ذكرهم بذلك واذكر لهم هذه النعمة ليتنبهوا بذلك لبطلان ما هم فيه وينتهوا عنه واما ما قيل من أن المقدر هو اشكر النعمة في خلق السماوات والأرض أو تدبر ذلك فغير سديد ضرورة أن مقتضى المقام تذكير المخلين بمواجب الشكر وتنبيههم على ما يقتضيه وأين ذاك من مقامه الجليل صلى الله عليه وسلم وقيل انتصابه بقوله تعالى قالوا ويأباه أنه يقتضى أن يكون هو المقصود بالذات دون سائر القصة وقيل بما سبق من قوله تعالى «وبشر الذين آمنوا» ولا يخفى بعده وقيل بمضمر دل عليه مضمون الآية المتقدمة مثل وبدأ خلقكم إذ قال الخ ولا ريب في أنه لا فائدة في تقييد بدء الخلق بذلك الوقت وقيل بخلقكم أو بأحياكم مضمرا وفيه ما فيه وقيل إذ زائدة ويعزى ذلك إلى أبي عبيد ومعمر وقيل أنه بمعنى قد واللام في قوله عز قائلا «للملائكة» للتبليغ وتقديم الجار والمجرور في هذا الباب مطرد لما في المقول من الطول غالبا مع ما فيه من
(٧٩)