تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٨٢
بالخواص من بنية وإما الخلافة ممن كان في الأرض قبل ذلك فتعم حينئذ الجميع «قالوا» استئناف وقع جوابا عما ينساق اليه الأذهان كأنه قيل فماذا قالت الملائكة حينئذ فقيل قالوا «أتجعل فيها من يفسد فيها» وهو أيضا من الجعل المتعدى إلى اثنين فقيل فيهما ما قيل في الأول والظاهر ان الأول كلمة من والثاني محذوف ثقة بما ذكر في الكلام السابق كما حذف الأول ثمة تعويلا على ما ذكر هنا قال قائلهم * لا تخلنا على عزائك انا * طالما قد وشى بنا الأعداء * بحذف المفعول الثاني أي لا تخلنا جازعين على عزائك والمعنى أتجعل فيها من يفسد فيها خليفة والظرف الأول متعلق بتجعل وتقديمه لما مر مرارا والثاني بيفسد وفائدته تأكيد الاستبعاد لما ان في استخلاف المفسد في محل افساده من البعد ما ليس في استخلافه في غيره هذا وقد جوز كونه من الجعل بمعنى الخلق المتعدى إلى المفعول واحد هو كلمة من وأنت خبير بأن مدار تعجبهم ليس خلق من يفسد في الأرض كيف لا وان ما يعقبه من الجملة الحالية الناطقة بدعوى أحقيتهم منه يقضي ببطلانه حتما إذ لا صحة لدعوى الأحقية منه بالخلق وهم مخلوقون بل مداره ان يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها بإجراء احكام الله تعالى وأوامره أو يستخلف مكان المطبوعين على الطاعة من من شأن بني نوعه الإفساد وسفك الدماء وهو عليه السلام وإن كان منزها عن ذلك الا ان استخلافه مستتبع لاستخلاف ذريته التي لا تخلو عنه غالبا وانما اظهروا تعجبهم استكشافا عما خفى عليهم من الحكم التي بدت على تلك المفاسد وألغتها واستخبارا عما يزيح شبهتهم ويرشدهم إلى معرفة ما فيه عليه السلام من الفضائل التي جعلته اهلا لذلك كسؤال المتعلم عما ينقدح في ذهنه لا اعتراضا على فعل الله سبحانه ولا شكا في اشتماله على الحكمة والمصلحة أجمالا ولا طعنا فيه عليه السلام ولا في ذريته على وجه الغيبة فإن منصبهم اجل من ان يظن بهم أمثال ذلك قال تعالى «بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون» وإنما عرفوا ما قالوا إما بإخبار من الله تعالى حسبما نقل من قبل أو بتلق من اللوح أو باستنباط عما ارتكز في عقولهم في اختصاص العصمة بهم أو بقياس لأحد الثقلين على الآخر «ويسفك الدماء» السفك والسفح والسبك والسكب أنواع من الصب والأ ولان مختصان بالدم بل لا يستعمل أولهما إلا في الدم المحرم إي يقتل النفوس المحرمة بغير حق والتعبير عنه بسفك الدماء لما أنه أقبح أنواع القتل وأفظعه وقرئ يسفك بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك وقرئ يسفك على البناء للمفعول وحذف الراجع إلى من موصوله أو موصوفة أي يسفك الدماء فيهم «ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك» جملة حالي مقررة للتعجب السابق ومؤكدة له على طريقة قول من يجد في خدمة مولاه وهو يأمر بها غيره أتستخدم العصاة وأنا مجتهد فيها كأنه قيل أتستخلف من من شأن ذريته الفساد مع وجود من ليس من شانه ذلك أصلا والمقصود عرض أحقيتهم منهم بالخلافة واستفسار عما رجحهم عليهم مع ما هو متوقع منهم من الموانع لا العجب والتفاخر فكأنهم شعروا بما فيهم من القوة الشهوية التي رذيلتها الإفراطية الفساد في الأرض والقوة الغضبية التي رذيلتها الإفراطية سفك الدماء فقالوا ما قالوا وذهلوا عما إذا سخر تهما القوة العقلية ومرنتهما على الخير يحصل ذلك من علو الدرجة ما يقصر عن البلوغ رتبة القوة العقلية عند انفرادها في أفاعيلها كالإحاطة بتفاصيل أحوال الجزئيات واستنباط الصناعات واستخراج منافع الكائنات من
(٨٢)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الظنّ (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271