تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٦
وعالم يغترف منه الناس تنبيها على أنه أسد في شجاعته وبحر في إفاضته والعهد الموثق يقال عهد إليه كذا إذا وصاه به ووثقه عليه والمراد ههنا أما العهد المأخوذ بالعقل وهو الحجة القائمة على عبادة الدالة على وجوده ووحدته وصدق رسوله عليه السلام وبه أول قوله تعالى «وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى» أو المعنى الظاهر منه أو المأخوذ من جهة الرسل عليهم السلام على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدق بالمعجزات صدقوه واتبعوه ولم يكتموا أمره وذكره في الكتب المتقدمة ولم يخالفوا حكمه كما ينبئ عنه قوله عز وجل «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه» ونظائره وقيل عهود الله تعالى ثلاثة الأول ما أخذه على جميع ذرية آدم عليه السلام بأن يقروا على ربوبيته والثاني ما أخذه على الأنبياء عليهم السلام بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه والثالث ما أخذه على العلماء بأن يبينوا الحق ولا يكتموه «من بعد ميثاقه» الميثاق أما اسم لما يقع به الوثاقة والاحكام وأما مصدر بمعنى التوثقة كالميعاد بمعنى الوعد فعلى الأول إن رجع الضمير إلى العهد كان المراد بالميثاق ما وثقوه به من القبول والالتزام وان رجع إلى لفظ الجلالة يراد به آياته وكتبه وانذار رسله عليهم السلام والمضاف محذوف على الوجهين أي من بعد تحقق ميثاقه وعلى الثاني إن رجع الضمير إلى العهد والميثاق مصدر من المبني للفاعل فالمعنى من بعد ان وثقوه بالقبول والالتزام أو من بعد أن وثقه الله عز وجل بإنزال الكتب وإنذار الرسل وإن كان مصدر من المبني للمفعول فالمعنى من بعد كونه موثقا إما بتوثيقهم إياه بالقبول وإما بتوثيقه تعالى إياه بإنزال الكتب وإنذار الرسل «ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل» يحتمل كل قطيعة لا يرضى بها الله سبحانه وتعالى كقطع الرحم وموالاة المؤمنين والتفرقة بين الأنبياء عليهم السلام والكتب في التصديق وترك الجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شر فإنه يقطع ما بين الله تعالى وبين العبد من الوصلة التي هي المقصودة بالذات من كل وصل وفصل والأمر هو القول الطالب للفعل مع العلو وقيل بالاستعلاء وبه سمى الأمر الذي هو واحد الأمور تسمية للمفعول بالمصدر فإنه مما يؤمر به كما يقال له شأن وهو القصد والطلب لما أنه أثر للشأن وكذا يقال له شيء وهو مصدر شاء لما أنه أثر للمشيئة ومحل أن يوصل أما النصب على أنه بدل من الموصول أو من ضميره والثاني أولى لفظا ومعنى «ويفسدون في الأرض» بالمنع عن الايمان والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التي عليها يدور فلك نظام العالم وصلاحه «أولئك» إشارة إلى الفاسقين باعتبار اتصافهم بما فصل من الصفات القبيحة وفيه ايذان بأنهم متميزون بها أكمل تميز ومنتظمون بسبب ذلك في سلك الأمور المحسوسة وما فيه من معنى البعد للدلالة على بعد منزلتهم في الفساد «هم الخاسرون» الذين خسروا بإهمال العقل عن النظر واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية واستبدال الانكار والطعن في الآيات بالإيمان بها والتأمل في حقائقها والاقتباس من أنوارها واشتراء النقض بالوفاء والفساد بالصلاح والقطيعة بالصلة والعقاب بالثواب «كيف تكفرون بالله» التفات إلى خطاب المذكورين مبني على ايراد ما عدد من
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271