تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٩٠
«وقلنا» شروع في حكاية ما جرى بينه تعالى وبين آدم عليه السلام بعد تمام ما جرى بينه تعالى وبين الملائكة وإبليس من الأقوال والافعال وقد تركت حكاية توبيخ إبليس وجوابه ولعنه واستظهاره وإنظاره اجتزاء بما فصل في سائر السور الكريمة وهو عطف على قلنا للملائكة ولا يقدح في ذلك اختلاف وقتيهما فإن المراد بالزمان المدلول عليه بكلمة إذ زمان ممتد واسع للقولين وقيل هو عطف على إذ قلنا بإضمار إذ وهذا تذكير لنعمة أخرى موجبة للشكر مانعة من الكفر وتصدير الكلام بالنداء في قوله تعالى «يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة» للتنبيه على الاهتمام بتلقي المأمور به وتخصيص أصل الخطاب به عليه السلام للإيذان بأصالته في مباشرة المأمور به واسكن من السكنى وهو اللبث والإقامة والاستقرار دون السكون الذي هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن ليصح العطف عليه واختلف في وقت خلق زوجه فذكر السدى عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ان الله تعالى لما اخرج إبليس من الجنة واسكنها آدم بقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به فألقى الله تعالى عليه النوم ثم اخذ ضلعا من جانبه الأيسر ووضع مكانه لحما وخلق حواء منه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها ما أنت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى فقالت الملائكة تجربة لعلمه من هذه قال امرأة قالوا لم سميت امرأة قال لأنها من المرء اخذت فقالوا ما اسمها قال حواء قالوا لم سميت حواء قال لأنها خلقت من شئ حي وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بعث الله تعالى جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما يحمل الملوك ولباسهما النور حتى ادخلوهما الجنة وهذا كما ترى يدل على خلقها قبل دخول الجنة والمراد بها دار الثواب لأنها المعهودة وقيل هي جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقها الله تعالى امتحانا لآدم عليه السلام وحمل الإهباط على النقل منها إلى ارض الهند كما في قوله تعالى اهبطوا مصرا لما ان خلقه عليه السلام كان في الأرض بلا خلاف ولم يذكر في هذه القصة رفعه إلى السماء ولو وقع ذلك لكان أولى بالذكر والتذكير لما انه من أعظم النعم ولأنها لو كانت دار الخلد لما دخلها إبليس وقيل إنها كانت في السماء السابعة بدليل اهبطوا ثم إن الإهباط الأول كان منها إلى السماء الدنيا والثاني منها إلى الأرض وقيل الكل ممكن والأدلة النقلية متعارضة فوجب التوقف وترك القطع «وكلا منها» أي من ثمارها وانما وجه الخطاب اليهما تعميما للتشريف والترفيه ومبالغة في إزالة العلل والاعذار وإيذانا بتساويهما في مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليه السلام في الاكل بخلاف السكن فإنها تابعة له في «رغدا» صفة للمصدر المؤكد أي اكلا واسعا رافها «حيث شئتما» أي أي مكان اردتما منها وهذا كما ترى اطلاق كلي حيث أبيح لهما الاكل منها على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلل ولم يحضر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات حتى لا يبقى
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271