تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٨٠
الاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما اخر كما مر مرارا أو الملائكة جمع ملك باعتبار أصله الذي هو ملأك على أن الهمزة مزيدة كالشمائل في جمع شمأل والتاء لتأكيد تأنيث الجماعة واشتقاقه من ملك لما فيه من معنى الشدة والقوة وقيل على أنه مقلوب من مألك من الألوكة وهي الرسالة أي موضع الرسالة أو مرسل على أنه مصدر بمعنى المفعول فإنهم وسائط بين الله تعالى وبين الناس فهم رسله عز وجل أو بمنزلة رسله عليهم السلام واختلف العقلاء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المتكلمين إلى أنها أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك عليهم السلام وذهب الحكماء إلى أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة وأنها أكمل منها قوة وأكثر علما تجرى منها مجرى الشمس من الأضواء منقسمة إلى قسمين قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما نعتهم الله عز وجل بقوله «يسبحون الليل والنهار لا يفترون» وهم العليون المقربون وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض حسبما جرى عليه قلم القضاء والقدر وهم المدبرات أمرا فمنهم سماوية ومنهم أرضية وقالت طائفة من النصارى هي النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان ونقل في شرح كثرتهم أنه عليه السلام قال أطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع وروى أن بني آدم عشر الجن وهما عشر حيوانات البر والكل عشر الطيور والكل عشر حيوانات البحار وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا إلى السماء السابعة ثم كل أولئك في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل ثم جميع هؤلاء عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما لا يكون لها عنده قدر محسوس وما منه من مقدار شبر إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ثم ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليه السلام والملائكة الذين هم جنود جبريل عليه السلام لا يحصى أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفيات عباداتهم إلا بارئهم العليم الخبير على ما قال تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو وروى أنه عليه السلام حين عرج به إلى السماء رأى ملائكة في موضع بمنزلة شرف يمشى بعضهم تجاه بعض فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام إلى اين يذهبون فقال جبريل لا أدري الا اني أراهم منذ خلقت ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألا واحدا منهم منذ كم خلقت فقال لا أدري غير ان الله عز وجل يخلق في كل أربعمائة الف سنة كوكبا وقد خلق منذ خلقني أربعمائة الف كوكب فسبحانه من اله ما أعظم قدرة وما أوسع ملكوته واختلف في الملائكة الذين قيل لهم ما قيل فقيل هم ملائكة الأرض وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم المختارون مع إبليس حين بعثه الله عز وجل لمحاربة الجن حيث كانوا سكان الأرض فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء فقتلوهم إلا قليلا قد أخرجوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحار وقلل الجبال وسكنوا الأرض وخفف الله تعالى عنهم العبادة وأعطى إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانه الجنة فكان يعبد الله تعالى تارة في الأرض
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271