أقوالهم وأحوالهم «فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا» أوثر يقولون على لا يعلمون حسبما يقتضيه ظاهر قرينه دلالة على كمال غلوهم في الكفر وترامي أمرهم في العتو فإن مجرد عدم العلم بحقيته ليس بمثابة إنكارها والاستهزاء به صريحا وتمهيدا لتعداد ما نعي عليهم في تضاعيف الجواب من الضلال والفسق ونقض العهد وغير ذلك من شنائعهم المترتبة على قولهم المذكور على أن عدم العلم بحقيته لا يعم جميعهم فإن منهم من يعلم بها وإنما يقول ما يقول مكابرة وعنادا وحمله على عدم الإذعان والقبول الشامل للجهل والعناد تعسف ظاهر هذا وقد قيل كان من حقه وأما الذين كفروا فلا يعلمون ليطابق قرينه ويقابل قسيمه لكن لما كان قولهم هذا دليلا واضحا على جهلهم عدل إليه على سبيل الكناية ليكون كالبرهان عليه فتأمل وكن على الحق المبين وماذا إما مؤلفة من كلمة استفهام وقعت مبتدأ خبره ذا بمعنى الذي وصلته ما بعده والعائد محذوف فالأحسن أن يجيء جوابه مرفوعا وإما منزلة منزلة أسم واحد بمعنى أي شيء فالأحسن في جوابه النصب والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث يحملها إليه أو القوة التي هي مبدؤه والأول مع الفعل والثاني قبله وكلاهما مما لا يتصور في حقه تعالى ولذلك اختلفوا في إرادته عز وجل فقيل إرادته تعالى لأفعاله كونه غير ساه فيه ولا مكره ولأفعال غيره أمره بها فلا تكون المعاصي بإرادته تعالى وقيل هي علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل والوجه الأصلح فإنه يدعو القادر إلى تحصيله والحق أنها عبارة عن ترجيح أحد طرفي المقدور على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه أو معنى يوجبه وهي أعم من الاختيار فإنه ترجيح مع تفضيل وفي كلمة هذا تحقير للمشار إليه واستر ذال له ومثلا نصب على التمييز أو على الحال كما في قوله تعالى «ناقة الله لكم آية» وليس مرادهم بهذه العظيمة استفهام الحكمة في ضرب المثل ولا القدح في اشتماله على الفائدة مع اعترافهم بصدوره عنه جل وعلا بل غرضهم التنبيه بادعاء أنه من الدناءة والحقارة بحيث لا يليق بأن يتعلق به أمر من الأمور الداخلية تحت إرادته تعالى على استحالة أن يكون ضرب المثل به عنده سبحانه فقوله عز من قائل «يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا» جواب عن تلك المقالة الباطلة ورد لها ببيان أنه مشتمل على حكمة جليلة وغاية جميلة هي كونه ذريعة إلى هداية المستعدين للهداية وإضلال المنهمكين في الغواية فوضع الفعلان موضع الفعل الواقع في الاستفهام مبالغة في الدلالة على تحقيقهما فإن إرادتهما دون وقوعهما بالفعل وتجافيا عن نظم الإضلال مع الهداية في سلك الإرادة لإيهامه تساويهما في تعلقهما وليس كذلك فإن المراد بالذات من ضرب المثل هو التذكر والاهتداء كما ينبئ عنه قوله تعالى «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون» ونظائره وأما الإضلال فهو أمر عارض مترتب على سوء اختيارهم وأوثر صيغة الاستقبال إيذانا بالتجدد والاستمرار وقيل وضع الفعلان موضع مصدريهما كأنه قيل أراد إضلال كثير وهداية كثير وقدم الإضلال على الهداية مع تقدم حال المهتدين على حال الضالين فيما قبله ليكون أول ما يقرع أسماعهم من الجواب أمرا فظيعا يسوءهم ويفت في أعضادهم وهو السر في تخصيص هذه الفائدة بالذكر وقيل هو بيان للجملتين المصدرتين بأما وتسجيل بأن العلم بكونه حقا هدى وأن الجهل بوجه إيراده والإنكار لحسن مورده ضلال وفسوق وكثرة كل فريق إنما هي بالنظر إلى أنفسهم لا بالقياس إلى مقابلهم فلا يقدح في
(٧٤)