تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٧
قبائحهم السابقة لتزايد السخط الموجب للمشافهة بالتوبيخ والتقريع والاستفهام إنكاري لا بمعنى انكار الوقوع كما في قوله تعالى «كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله» الخ بل بمعنى انكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه وفيه من المبالغة ما ليس في توجيه الانكار إلى نفس الكفر بأن يقال أتكفرون لأن كل موجود يجب ان يكون وجوده على حال من الأحوال قطعا فإذا انتفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهاني وقوله عز وجل «وكنتم أمواتا» إلى آخر الآية حال من ضمير الخطاب في تكفرون مؤكدة للإنكار والاستبعاد بما عدد فيها من الشؤون العظيمة الداعية إلى الإيمان الرادعة عن الكفر من حيث كونها نعمة عامه ومن حيث دلالتها على قدرة تامة كقوله تعالى «وقد خلقكم أطوارا» وكيف منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه وبالحال عند الأخفش أي في أي حال أو على أي حال تكفرون به تعالى والحال انكم كنتم أمواتا أي أجساما لا حياة لها عناصر وأغذية ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة والأموات جمع ميت كأقوال جمع قيل وإطلاقها على تلك الأجسام باعتبار عدم الحياة مطلقا كما في قوله تعالى «بلدة ميتا» وقوله تعالى «وآية لهم الأرض الميتة» «فأحياكم» بنفخ الأرواح فيكم والفاء للدلالة على التعقيب فإن الاحياء حاصل اثر كونهم أمواتا وإن توارد عليهم في تلك الحالة أطوار مترتبة بعضها متراخ عن بعض كما أشير اليه آنفا «ثم يميتكم» أي عند انقضاء آجالكم وكون الإماتة من دلائل القدرة ظاهر واما كونها من النعم فلكونها وسيلة إلى الحياة الثانية التي هي الحيوان والنعمة العظمى والتراخي المستفاد من كلمة ثم بالنسبة إلى زمان الإحياء دون زمان الحياة فإن زمان الإماتة غير متراخ عنه «ثم يحييكم» بالنشور يوم ينفخ في الصور أو للسؤال في القبور وأياما كان فهو متراخ من زمان الإماتة وإن كان اثر زمان الموت المستمر «ثم إليه ترجعون» بعد الحشر لا إلى غيره فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر واليه تنشرون من قبوركم للحساب وهذه الافعال وإن كان بعضها ماضيا وبعضها مستقبلا لا يتسنى مقارنة شئ منها لما هو حال منه في الزمان لكن الحال في الحقيقة هو العلم المتعلق بها كأنه قيل كيف تكفرون بالله وأنتم عالمون بهذه الأحوال المانعة منه ومآله التعجيب من وقوعه مع تحقق ما ينفيه وإنما نظم ما ينكرونه من الإحياء الأخير والرجع في سلك ما يعترفون به من الإحياء الأول والإماتة تنزيلا لتمكنهم من العلم لما عاينوه من الدلائل القاطعة منزلة العلم بذلك بالفعل في إزاحة العلل والأعذار والحياة حقيقة في القوة الحساسة أو ما يقتضيها وبها سمى الحيوان حيوانا مجاز في القوة النامية لكونها من طلائعها وكذا فبما يخص الإنسان من العقل والعلم والإيمان من حيث انه كمالها وغايتها والموت بإزائها يطلق على ما يقابل كل مرتبة من تلك المراتب قال تعالى «قل الله يحييكم ثم يميتكم» وقال تعالى «اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها» وقال تعالى «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» وعند وصفة تعالى بها يراد صحة اتصافه تعالى بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا أو معنى قائم بذاته تعالى مقتض لذلك وقرئ ترجعون بفتح التاء والأول هو الأليق بالمقام «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا»
(٧٧)
مفاتيح البحث: الموت (1)، القبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271