في قلص أو لتكثير كما في موتت البهائم وبركت الإبل وأن يكون من قولهم كذب الوحشي إذا جرى شوطا ثم وقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متوقف في أمره متردد في رأيه ولذلك قيل له مذبذب «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض» شروع في تعديد بعض من قبائحهم المتفرعة على ما حكى عنهم من الكفر والنفاق وإذا ظرف زمن مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالبا ولا تدخل إلا في الأمر المحقق أو المرجح وقوعه واللام متعلقة بقيل ومعناها الانهاء والتبليغ والقائم مقام فاعله جملة لا تفسدوا على أن المراد بها اللفظ وقيل هو مضمر يفسره المذكور والفساد خروج الشيء عن الحالة اللائقة به والصلاح مقابلة والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن أحوال العباد واختلال امر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدي إلى ذلك من افشاء اسرار المؤمنين إلى الكفار واغرائهم عليهم وغير ذلك من فنون الشرور كما يقال للرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار إذا اقدم على ما تلك عافيته وهو اما معطوف على يقول فإن جعلت كلمة من موصولة فلا محل له من الإعراب ولا بأس بتخلل البيان أو الاستئناف وما يتعلق بهما بين اجزاء الصلة فإن ذلك ليس توسيطا بالأجنبي وان جعلت موصوفه فمحله الرفع والمعنى ومن الناس من إذا نهوا من جهة المؤمنين عما هم عليه من الإفساد في الأرض «قالوا» إراءة للناهين ان ذلك غير صادر عنهم مع ان مقصودهم الأصلي انكار كون ذلك افسادا وادعاء كونه اصلاحا محضا كما سيأتي توضيحه «إنما نحن مصلحون» اى مقصورون على الاصلاح المحض بحيث لا يتعلق به شائبة الافساد والفساد مشيرين بكلمة انما إلى ان ذلك من الوضوح بحيث لا ينبغي ان يرتاب فيه واما كلام مستأنف سيق لتعديد شنائعهم واما عطفه على يكذبون بمعنى ولهم عذاب اليم بكذبهم وبقولهم حين نهوا عن الافساد انما نحن مصلحون كما قيل فيأباه ان هذا النحو من التعليل حقه ان يكون بأوصاف ظاهرة العلية مسلمة الثبوت للموصوف غنية عن البيان لشهرة الاتصاف بها عند السامع أو لسبق ذكره صريحا كما في قوله تعالى «بما كانوا يكذبون» فإن مضمونه عبارة عما حكى عنهم من قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر أو لذكر ما يستلزمه استلزاما ظاهرا كما في قوله عز وجل «إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب» فإن ما ذكر من الضلال عن سبيل الله مما يوجب حتما نسيان جانب الآخرة التي من جملتها يوم الحساب وما لم يكن كذلك فحقه ان يخبر بعليته قصدا كما في قوله تعالى ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار الآية وقوله ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق الآية إلى غير ذلك ولا ريب في ان هذه الشرطية وما بعدها من الشرطيتين المعطوفتين عليها ليس مضمون شيء منها معلوم الانتساب إليهم عند السامعين بوجه من الوجوه المذكورة حتى تستحق الانتظام في سلك التعليل المذكور فإذن حقها ان تكون مسوقة على سنن تعديد قبائحهم على أحد الوجهين مفيدة لاتصافهم بكل واحد من تلك الأوصاف قصدا واستقلالا كيف لا وقوله عز وجل «ألا إنهم هم المفسدون» ينادى بذلك نداء
(٤٣)