جليا فإنه رد من جهته تعالى لدعواهم المحكية أبلغ رد وأدلة على سخط عظيم حيث سلك فيه مسلك الاستئناف المؤدى إلى زيادة تمكن الحكم في ذهن السامع وصدرت الجملة بحر في التأكيد الا المنبهة على تحقق ما بعدها فإن الهمزة الإنكارية الداخلة على النفي تفيد تحقيق الإثبات قطعا كما في قوله تعالى «أليس الله بكاف عبده» ولذلك لا يكاد يقع ما بعدها من الجملة الا مصدرة بما يلتقي به القسم وأختها التي هي اما من طلائع القسم وقيل هما حرفان بسيطان موضوعان للتنبيه والاستفتاح وان المقررة للنسبة وعرف الخبر ووسط ضمير الفصل لرد ما في قصر أنفسهم على الاصلاح من التعريض بالمؤمنين ثم استدرك بقوله تعالى «ولكن لا يشعرون» للإيذان بأن كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه وهكذا الكلام في الشرطيتين الآتيتين وما بعدهما من رد مضمونهما ولولا ان المراد تفصيل جناياتهم وتعديد خبائثهم وهناتهم ثم اظهار فسادها وإبانة بطلانها لما فتح هذا الباب والله اعلم بالصواب «وإذا قيل لهم» من قبل المؤمنين بطريق الأمر بالمعروف إثر نهيهم عن المنكر اتماما للنصح وإكمالا للإرشاد «آمنوا» حذف المؤمن به لظهوره أو أريد افعلوا الإيمان «كما آمن الناس» الكاف في محل النصب على انه نعت لمصدر مؤكد محذوف أي آمنوا إيمانا مماثلا لإيمانهم فما مصدرية أو كافة كما في ربما فإنها تكف الحرف عن العمل وتصحح دخولها على الجملة وتكون للتشبيه بين مضمونى الجملتين اى حققوا إيمانكم كما تحقق ايمانهم واللام للجنس والمراد بالناس الكاملون في الانسانية العاملون بقضية العقل فإن اسم الجنس كما يستعمل في مسماه يستعمل فيما يكون جامعا للمعاني الخاصة به المقصودة منه ولذلك يسلب عما ليس كذلك فيقال هو ليس بإنسان وقد جمعهما من قال * إذ الناس ناس والزمان زمان * أو للعهد والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام واضرابه والمعنى آمنوا ايمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم «قالوا» مقابلين للأمر بالمعروف والانكار المنكر واصفين للمراجيح الرزان بضد أوصافهم الحسان «أنؤمن كما آمن السفهاء» مشيرين باللام إلى من أشير إليهم في الناس من الكاملين أو المعهودين أو إلى الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم الفاسد والسفه خفة وسخافة رأي يورثهما قصور العقل ويقابله الحلم والأناة وانما نسبوهم اليه مع انهم في الغاية القاصية من الرشد والرزانة والوقار لكمال انهماك أنفسهم في السفاهة وتماديهم في الغواية وكونهم ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فمن حسب الضلال هدى يسمى الهدى لا محالة ضلال أو لتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم على تقدير كون المراد بالناس عبد الله بن سلام وأمثاله وأياما كان فالذي يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل أن يكون صدور هذا القول عنهم بمحضر من المؤمنين الناصحين لهم جوابا
(٤٤)