الكفرة وأياما كان فنسبته إلى الله سبحانه أما على طريق الاستعارة والتمثيل لإفادة كمال شناعة جنايتهم أي يعاملون معاملة الخادعين وأما على طريقة المجاز العقلي بأن ينسب إليه تعالى ما حقه أن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إبانة لمكانته عنده تعالى كما ينبئ عنه قوله تعال «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم» وقوله تعالى «من يطع الرسول فقد أطاع الله» مع إفادة كمال الشناعة كما مر وأما لمجرد التوطئة والتمهيد لما بعده من نسبته إلى الذين آمنوا والإيذان بقوة اختصاصهم به تعالى كما في قوله تعالى «والله ورسوله أحق أن يرضوه» وقوله تعالى «إن الذين يؤذون الله ورسوله» وإبقاء صيغة المخادعة على معناها الحقيقي بناء على زعمهم الفاسد وترجمة عن اعتقادهم الباطل كأنه قيل يزعمون أنهم يخدعون الله والله يخدعهم أو على جعلها استعارة تبعية أو تمثيلا لما أن صورة صنعهم مع الله تعالى والمؤمنين وصنعه تعالى معهم بإجراء أحكام الإسلام عليهم وهم عنده أخبث الكفرة وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجا لهم وامتثال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأمر الله تعالى في ذلك مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين كما قيل مما لا يرتضيه الذوق السليم أما الأول فلأن المنافقين لو اعتقدوا أن الله تعالى يخدعهم بمقابلة خدعهم له لم يتصور منهم التصدي للخدع واما الثاني فلأن مقتضى المقام إيراد حالهم خاصة وتصويرها بما يليق بها من الصورة المستهجنة وبيان غائلتها آيلة إليهم من حيث لا يحتسبون كما يعرب عنه قوله عز وجل «وما يخدعون إلا أنفسهم» فالتعرض لحال الجانب الآخر مما يخل بتوفية المقام حقه وهو حال من ضمير يخادعون أي يفعلون ما يفعلون والحال أنهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم أو ما يخدعون حقيقة إلا أنفسهم حيث يغرونها بالأكاذيب فيلقونها في مهاوي الردى وقرئ وما يخادعون والمعنى هو المعنى ومن حافظ على الصيغة فيما قبل قال وما يعلمون تلك المعاملة الشبيهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها لا يحيق إلا بهم أو ما يخادعون حقيقة إلا أنفسهم حيث يمنونها الأباطيل وهي أيضا تغرهم وتمنيهم الأماني الفارغة وقرئ وما يخادعون من التخديع وما يخدعون أي يختدعون ويخدعون ويخادعون على البناء للمفعول ونصب أنفسهم بنزع الخافض والنفس ذات الشيء وحقيقته وقد يقال للروح لأن نفس الحي به وللقلب أيضا لأنه محل الروح أو متعلقة وللدم أيضا لأن قوامها به وللماء أيضا لشدة حاجتها إليه والمراد هنا هو المعنى الأول لأن المقصود بيان إن ضرر مخادعتهم راجع إليهم لا يتخطاهم إلى غيرهم وقوله تعالى «وما يشعرون» حال من ضمير ما يخدعون أي يقتصرون على خدع أنفسهم والحال إنهم ما يشعرون أي ما يحسون بذلك لتماديهم في الغواية وحذف المفعول إما لظهوره أو لعمومه أي ما يشعرون بشيء أصلا جعل لحوق وبال ما صنعوا بهم في الظهور بمنزلة الأمر المحسوس الذي لا يخفى إلا على مؤوف الحواس مختل المشاعر «في قلوبهم مرض» المرض عبارة عما يعرض للبدن فيخرجه عن الإعتدال اللائق به ويوجب الخلل في أفاعيله ويؤدي إلى الموت أستعير ههنا لما في قلوبهم من الجهل وسوء العقيدة وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم
(٤١)