تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٥٤
العيمة والصاعقة قصفة رعد هائل تنقض معها بثقة نار لا تمر بشيء الا أتت عليه من الصعق وهو شدة الصوت وبناؤها اما ان يكون صفة لقصفة الرعد أو للرعد والتاء للمبالغة كما في الرواية أو مصدرا كالعافية وقد تطلق على كل هائل مسموع أو مشاهد يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق أو بشدة الصوت وسد الآذان إنما يفيد على التقدير الثاني دون الأول وقرئ من الصواقع وليس ذلك بقلب من الصواعق لاستواء كلا البناءين في التصرف يقال صقع الديك وخطيب مصقع أي مجهر بخطبته «حذر الموت» منصوب بيجعلون على العلة وان كان معرفة بالإضافة كقوله * واغفر عوراء الكريم ادخاره * واصفح عن شتم اللئيم تكرما * ولا ضير في تعدد المفعول له فإن الفعل يعلل بعلل شتى وقيل هو نصب على المصدرية أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت والحذر والحذار هو شدة الخوف وقرئ حذار الموت والموت زوال الحياة وقيل عرض يضادها لقوله تعالى «خلق الموت والحياة» ورد بأن الخلق بمعنى التقدير والأعدام مقدرة «والله محيط بالكافرين» أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط شبه شمول قدرته تعالى لهم وانطواء ملكوته عليهم بإحاطة المحيط بما أحاط به في استحالة الفوت أو شبه الهيئة المنتزعة من شؤونه تعالى معهم بالهيئة المنتزعة من أحوال المحيط مع المحاط فالاستعارة المبنية على التشبيه الأول استعارة تبعية في الصفة متفرعة على ما في مصدرها من الاستعارة والمبنية على الثاني تمثيلية قد اقتصر من طرف المشبه به على ما هو العمدة في انتزاع الهيئة المشبه بها اعني الإحاطة والباقي منوى بألفاظ متخيلة بها يحصل التركيب المعتبر في التمثيل كما مر تحريره في قوله عز وجل «ختم الله على قلوبهم» والجملة اعتراضية منبهة على ان ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغنى عنهم شيئا فإن القدر لا يدافعه الحذر والحيل لا ترد بأس الله عز وجل وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيب الإيذان بأن ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم على منهاج قوله تعالى «كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته» فإن الإهلاك الناشئ من السخط أشد وقيل هذا الاعتراض من جملة أحوال المشبه على ان المراد بالكافرين المنافقون قد دل به على انه لا مدافع لهم من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة وإنما وسط بين أحوال المشبه مع ان القياس تقديمه أو تأخيره لإظهار كمال العناية وفرط الاهتمام بشأن المشبه «يكاد البرق» استئناف آخر وقع جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل يكاد ذلك «يخطف أبصارهم» أي يختلسها ويستلها بسرعة وكاد من افعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لتآخذ أسبابه وتعاضد مباديه لكنه لم يوجد بعد لفقد شرط أو لعروض مانع ولا يكون خبرها إلا مضارعا عاريا عن كلمة ان وشذ مجيئه اسما صريحا كما في قوله * فأبت إلى فهم وما كدت آيبا * وكذا مجيئه مع ان حملا لها على عسى كما في قول رؤبة * قد كاد من طول البلى ان يمحصا كما تحمل
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271