الله تعالى خالية عن الفطن أو بقلوب قدر ختم الله تعالى عليها كما في سال به الوادي إذا هلك وطارت به العنقاء إذا طالت غيبته ومنها أن ذلك فعل الشيطان أو الكافر وإسناده تعالى باعتبار كونه بإقداره تعالى وتمكينه ومنها أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر ثم لم يفعل ذلك محافظة على حكمة التكليف عبر عن ذلك بالختم لأنه سد لطريق إيمانهم بالكلية وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ومنها أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه مثل قولهم «قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب» تهكما بهم ومنها أن ذلك في الآخرة وإنما أخبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ويعضده قوله تعالى «ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما» ومنها أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة يعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم «وعلى سمعهم» عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل «وختم على سمعه وقلبه» وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة لو فرض عدم الختم على سمعهم فهو باق على حاله حسبما يفصح عنه قوله تعالى «ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون» والسمع إدراك القوة السامعة وقد يطلق عليها وعلى العضو الحامل لها وهو المراد ههنا إذ هو المختوم عليه أصالة وتقديم حاله على حال أبصارهم للاشتراك بينه وبين قلوبهم في تلك الحال أو لأن جنايتهم من حيث السمع الذي به يتلقى الأحكام الشرعية وبه يتحقق الإنذار أعظم منها من حيث البصر الذي به يشاهد الأحوال الدالة على التوحيد فبيانها أحق بالتقديم وأنسب بالمقام قالوا السمع أفضل من البصر لأنه عز وعلا حيث ذكرهما قدم السمع على البصر ولأن السمع شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولا أصم ولأن السمع وسيلة إلى استكمال العقل بالمعارف التي تتلقف من أصحابها وتوحيده للأمن عن اللبس واعتبار الأصل أو لتقدير المضاف أي وعلى حواس سمعهم والكلام في إيقاع الختم على ذلك كما مر من قبل «وعلى أبصارهم غشاوة» الأبصار جمع بصر والكلام فيه كما سمعته في السمع والغشاوة فعالة من التغشية أي التغطية بنيت لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة وتنكيرها للتفخيم والتهويل وهي على رأي سيبويه مبتدأ خبره الظرف المقدم والجملة معطوفة على ما قبلها وإيثار الاسمية للإيذان بدوام مضمونها فإن ما يدرك بالقوة الباصرة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كان تعاميهم من ذلك أيضا كذلك وأما الآيات التي تتلقى بالقوة السامعة فلما كان وصولها إليها حينا فحينا أوثر في بيان الختم عليها وعلى ما هي أحد طريقي معرفته أعني القلب الجملة الفعلية وعلى رأي الأخفش مرتفع على الفاعلية مما تعلق به الجار وقرئ بالنصب على تقدير فعل ناصب أي وجعل على أبصارهم غشاوة وقيل على حذف الجار وإيصال الختم إليه والمعنى وختم على أبصارهم بغشاوة وقرئ بالضم والرفع وبالفتح والنصب وهما لغتان فيها وغشوة بالكسر مرفوعة وبالفتح مرفوعة ومنصوبة وعشاوة بالعين غير المعجمة والرفع «ولهم عذاب عظيم» وعيد وبيان لما يستحقونه
(٣٨)