تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٣٨
الله تعالى خالية عن الفطن أو بقلوب قدر ختم الله تعالى عليها كما في سال به الوادي إذا هلك وطارت به العنقاء إذا طالت غيبته ومنها أن ذلك فعل الشيطان أو الكافر وإسناده تعالى باعتبار كونه بإقداره تعالى وتمكينه ومنها أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر ثم لم يفعل ذلك محافظة على حكمة التكليف عبر عن ذلك بالختم لأنه سد لطريق إيمانهم بالكلية وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد وتناهي انهماكهم في الشر والفساد ومنها أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه مثل قولهم «قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب» تهكما بهم ومنها أن ذلك في الآخرة وإنما أخبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ويعضده قوله تعالى «ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما» ومنها أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة يعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم «وعلى سمعهم» عطف على ما قبله داخل في حكم الختم لقوله عز وجل «وختم على سمعه وقلبه» وللوفاق على الوقف عليه لا على قلوبهم ولاشتراكهما في الإدراك من جميع الجوانب وإعادة الجار للتأكيد والإشعار بتغاير الختمين وتقديم ختم قلوبهم للإيذان بأنها الأصل في عدم الإيمان وللإشعار بأن ختمها ليس بطريق التبعية بختم سمعهم بناء على أنه طريق إليها فالختم عليه ختم عليها بل هي مختومة بختم على حدة لو فرض عدم الختم على سمعهم فهو باق على حاله حسبما يفصح عنه قوله تعالى «ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون» والسمع إدراك القوة السامعة وقد يطلق عليها وعلى العضو الحامل لها وهو المراد ههنا إذ هو المختوم عليه أصالة وتقديم حاله على حال أبصارهم للاشتراك بينه وبين قلوبهم في تلك الحال أو لأن جنايتهم من حيث السمع الذي به يتلقى الأحكام الشرعية وبه يتحقق الإنذار أعظم منها من حيث البصر الذي به يشاهد الأحوال الدالة على التوحيد فبيانها أحق بالتقديم وأنسب بالمقام قالوا السمع أفضل من البصر لأنه عز وعلا حيث ذكرهما قدم السمع على البصر ولأن السمع شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولا أصم ولأن السمع وسيلة إلى استكمال العقل بالمعارف التي تتلقف من أصحابها وتوحيده للأمن عن اللبس واعتبار الأصل أو لتقدير المضاف أي وعلى حواس سمعهم والكلام في إيقاع الختم على ذلك كما مر من قبل «وعلى أبصارهم غشاوة» الأبصار جمع بصر والكلام فيه كما سمعته في السمع والغشاوة فعالة من التغشية أي التغطية بنيت لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة وتنكيرها للتفخيم والتهويل وهي على رأي سيبويه مبتدأ خبره الظرف المقدم والجملة معطوفة على ما قبلها وإيثار الاسمية للإيذان بدوام مضمونها فإن ما يدرك بالقوة الباصرة من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس حيث كانت مستمرة كان تعاميهم من ذلك أيضا كذلك وأما الآيات التي تتلقى بالقوة السامعة فلما كان وصولها إليها حينا فحينا أوثر في بيان الختم عليها وعلى ما هي أحد طريقي معرفته أعني القلب الجملة الفعلية وعلى رأي الأخفش مرتفع على الفاعلية مما تعلق به الجار وقرئ بالنصب على تقدير فعل ناصب أي وجعل على أبصارهم غشاوة وقيل على حذف الجار وإيصال الختم إليه والمعنى وختم على أبصارهم بغشاوة وقرئ بالضم والرفع وبالفتح والنصب وهما لغتان فيها وغشوة بالكسر مرفوعة وبالفتح مرفوعة ومنصوبة وعشاوة بالعين غير المعجمة والرفع «ولهم عذاب عظيم» وعيد وبيان لما يستحقونه
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271